اداب الزفاف 1 - ملاطفة الزوجة
عند البناء بها :
يستحب له إذا دخل على زوجته أن يلاطفها ، كأن يقدم إليها شيئا من الشراب ونحوه
لحديث أسماء بنت يزيد بن السكن ، قالت :
إني قينت ( 1 ) عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم جئته فدعوته لجلوتها ( 2
) فجاء ، فجلس إلى
صفحة رقم -20-
جنبها ، فأتي بعس
[ ( 3 ) لبن ، فشرب ، ثم ناولها النبي صلى الله عليه وسلم فخفضت رأسها واستحيت ،
قالت أسماء : فانتهرتها ، وقلت لها : خذي من يد النبي صلى الله عليه وسلم ، قالت :
فأخذت ، فشربت شيئا ، ثم قال لها النبي صلى الله عليه وسلم : أعطي تربك ( 4 ) ،
قالت أسماء : فقلت : يا رسول الله بل خذه فاشرب منه ثم ناولنيه من يدك ، فأخذه
فشرب منه ثم ناولنيه ، قالت : فجلست ، ثم وضعته على ركبتي ، ثم طفقت أديره وأتبعه
بشفتي
______
( 1 ) أي : زينت .
( 2 ) أي : للنظر إليها مجلوة مكشوفة .
( 3 ) هو القدح الكبير .
( 4 ) أي : صديقتك .
صفحة رقم -21-
لأصيب منه شرب
النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قال لنسوة عندي : [ ناوليهن ) ، فقلن : لا نشتهيه
فقال صلى الله عليه وسلم : [ لا تجمعن جوعا وكذبا
2 - وضع اليد على رأس الزوجة والدعاء لها :
وينبغي أن يضع يده على مقدمة رأسها عند البناء بها أو قبل ذلك ، وأن يسمي الله
تبارك وتعالى ، ويدعو بالبركة ، ويقول ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم :
( إذا تزوج أحدكم امرأة ، أو اشترى خادما ، [ فليأخذ بناصيتها ] ، [ وليسم الله عز
وجل ] ، [ وليدع بالبركة ] ، وليقل :
( 1 ) أخرجه أحمد بإسنادين يقوي أحدهما الآخر . وأشار المنذري إلى تقويته ،
والحميدي أيضا في مسنده . وله شاهد في الطبراني في " الصغير " و"
الكبير " ، و" تاريخ أصبهان " لأبي الشيخ ، وكتاب " الصمت
" لابن الدنيا .
( 2 ) الناصية : منبت الشعر في مقدم الرأس كما في " اللسان " .
صفحة رقم -22-
اللهم إني أسألك
من خيرها وخير ما جبلتها عليه ، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه ( 1 ) .
( وإذا اشترى بعيرا فليأخذ بذروه سنامه ، وليقل مثل ذلك ] ( 2 ) .
( 1 ) أي : خلقتها وطبعتها عليه . " نهاية " .
قلت : وفي الحديث دليل على أن الله خالق الخير والشر ، خلافا لمن يقول - من
المعتزلة وغيرهم - بأن الشر ليس من خلقه تبارك وتعالى ، وليس في كون الله خالقا
للشر ما ينافي كماله تعالى ، بل هو من كماله تبارك وتعالى . وتفصيل ذلك في
المطولات ، ومن أحسنها كتاب " شفاء العليل في القضاء والقدر والتعليل "
، لابن القيم ، فليراجعه من شاء . وهل يشرع هذا الدعاء في شراء مثل السيارة ؟
وجوابي : نعم ، لما يرجى من خيرها ، ويخشى من شرها .
( 2 ) أخرجه البخاري في " أفعال العباد " ، وأبو داود ، وابن ماجه ،
والحاكم ، والبيهقي ، وأبو يعلى في " مسنده " بإسناد حسن ، وصححه الحاكم
، ووافقه الذهبي . وقال الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " :
" إسناده جيد " . وأشار لصحته عبد الحق الإشبيلي في " الأحكام
الكبرى " بسكوته عليه كما نص في المقدمة ، وكذا ابن دقيق العيد في "
الإلمام " .
صفحة رقم -22-
3 - صلاة الزوجين
معا :
ويستحب لهما أن يصليا ركعتين معا ، لأنه منقول عن السلف . وفيه أثران :
الأول : عن أبي سعيد مولى أبي أسيد قال :
( تزوجت وأنا مملوك ، فدعوت نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيهم ابن
مسعود وأبو ذر وحذيفة ، قال : وأقيمت الصلاة ، قال : فذهب أبو ذر ليتقدم ، فقالوا
: إليك قال : أو كذلك ؟ قالوا : نعم ، ( 1 ) قال : فتقدمت بهم وأنا عبد مملوك ،
وعلموني فقالوا :
( إذا دخل عليك أهلك فصل ركعتين ، ثم سل الله من خير ما دخل عليك ، وتعوذ به من
شره ، ثم شأنك وشأن أهلك ( 2 ) .
( 1 ) قلت : يشيرون بذلك إلى أن الزائر لا يؤم المزور في بيته إلا أن يأذن له ،
لقوله صلى الله عليه وسلم : " ولا يؤم الرجل في بيته ولا في سلطانه " .
أخرجه مسلم وأبو عوانة في " صحيحيهما " ، وهو في " صحيح أبي داود
" .
( 2 ) أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في " المصنف " . وعبد الرزاق أيضا ،
وسنده صحيح إلى أبي سعيد ، وهو مستور ، لم أجد من ذكره سوى أن الحافظ أورده في
" الإصابة " فيمن روى عن مولاه أبي أسيد مالك بن ربيعة الأنصاري ، ثم
رأيته في ثقات ابن حبان قال هندية :
" يروي عن جماعة من الصحابة ، روى عنه أبو نضرة "
ثم ساق هذه القصة دون قوله : فقالوا : . . . إلخ ، وهو رواية لابن أبي شيبة .
صفحة رقم -23-
الثاني : عن شقيق
قال :
( جاء رجل يقال له : أبو حريز ( 1 ) ، فقال : إني تزوجت جارية شابة [ بكرا ] ،
وإني أخاف أن تفركني ( 2 ) ، فقال عبد الله ( يعني ابن مسعود
( 1 ) بحاء مفتوحة ، والأصل " حرير " بدون إعجام ، وقد أورده الذهبي في
" المشتبه " بالحاء ، وقال :
" له صحبة " . ثم تناقض فذكره في " التجريد " بالجيم والراء
المكسورة ، كما حكاه عنه ابن ناصر الدين في " التوضيح " ، وقد حكى الوجهين
عن غير واحد من المتقدمين . والله أعلم .
( 2 ) أي : تبغضني ، وفي " النهاية " : " فركت المرأة زوجها تفركه
فركا بالكسر ، وفركا وفروكا فهي فروك " .
صفحة رقم -24-
( إن الإلف من
الله ، والفرك من الشيطان ، يريد أن يكره إليكم ما أحل الله لكم فإذا أتتك فأمرها
أن تصلي وراءك ركعتين . زاد في رواية أخرى عن ابن مسعود :
( وقل : اللهم بارك لي في أهلي ، وبارك لهم في ، اللهم اجمع بيننا ما جمعت بخير
وفرق بيننا إذا فرقت إلى خير ] ( 1 ) .
( 1 ) أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في المصدر السابق ، وكذا عبد الرزاق في "
مصنفه " وسنده صحيح ، وأخرجه الطبراني بسندين صحيحين ، والزيادة مع الرواية
الأخرى له ، ورواه في " الأوسط " كما في الجمع بينه وبين " الصغير
" من طريق الحسين بن واقد ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ،
عن عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" إذا دخلت المرأة على زوجها يقوم الرجل ، فتقوم من خلفه فيصليان ركعتين ،
ويقول : اللهم بارك لي في أهلي ، وبارك لأهلي في ، اللهم ارزقهم مني ، وارزقني
منهم ، اللهم اجمع بيننا ما جمعت في خير ، وفرق بيننا إذا فرقت في خير " .
وقال : " لم يروه عن عطاء إلا الحسين " .
قلت : يعني مرفوعا ، وعطاء بن السائب كان اختلط ، وقد رواه عنه حماد بن زيد به
نحوه موقوفا عليه ، وهو الصواب ، لأن حماد بن زيد روى عن عطاء قبل أن يختلط ،
ولذلك أوردناه في المتن ، وهي الرواية الأخرى عن ابن مسعود .
ثم رأيته من طريق آخر عن ابن مسعود عند الثقفي ، فانظر : " إذا تزوج أحدكم .
. . " من " المعجم " .
وله شاهد مرفوع عن سلمان ، أخرجه ابن عدي ، وأبو نعيم في " أخبار أصبهان
" ، والبزار في " مسنده " بسند ضعيف تكلمت عليه في " معجم
الحديث " بلفظ : " إذا تزوج أحدكم . . . " ، ورواه ابن عساكر عنه
وعن ابن عباس .
وروى عبد الزراق عن ابن جريج قال :
حدثت أن سلمان الفارسي تزوج امرأة ، فلما دخل عليها وقف على بابها ، فإذا هو
بالبيت مستور ، فقال :
ما أدري أمحموم بيتكم أم تحولت الكعبة إلى ( كندة ) والله لا أدخله حتى تهتك
أستاره
فلما هتكوها . . . دخل . . . ثم عمد إلى أهله ، فوضع يده على رأسها . . . فقال :
هل أنت مطيعتي رحمك الله ؟ قالت : قد جلست مجلس من يطاع ، قال : إن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال لي :
" إن تزوجت يوما فليكن أول ما تلتقيان عليه من طاعة الله " ، فقومي
فلتصل ركعتين ، فما سمعتني أدعو فأمني ، فصليا ركعتين ، وأمنت ، فبات عندها ، فلما
أصبح ، جاءه أصحابه ، فانتحاه رجل من القوم ، فقال : كيف وجدت أهلك ؟ فأعرض عنه ،
ثم الثاني ، ثم الثالث ، فلما رأى ذلك صرف وجهه إلى القوم ، وقال :
رحمكم الله ، فيما المسألة عما غيبت الجدران والحجب والأستار ؟ بحسب امرئ أن يسأل
عما ظهر ، إن أخبر أو لم يخبر .
وفي إسناده انقطاع كما هو ظاهر .
صفحة رقم -26-
4 - ما يقول حين
يجامعها :
وينبغي أن يقول حين يأتي أهله :
( بسم الله ، اللهم جنبنا الشيطان ، وجنب الشيطان ما رزقتنا .
قال صلى الله عليه وسلم :
( فإن قضى الله بينما ولدا لم يضره الشيطان أبدا " ( 1 ) .
( 1 ) أخرجه البخاري وبقية أصحاب السنن إلا النسائي . . .
صفحة رقم -27-
5 - كيف يأتيها :
ويجوز له أن يأتيها في قبلها من أي جهة شاء ، من خلفها أو من أمامها ، لقول الله
تبارك وتعالى : : ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ) ، أي : كيف شئتم مقبلة
ومدبرة ، وفي ذلك أحاديث أكتفي باثنين منها :
الأول عن جابر رضي الله عنه قال :
( كانت اليهود تقولك إذا أتى الرجل امرأته من دبرها في قبلها كان الولد أحول فنزلت
: ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ) [ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
مقبلة ومدبرة إذا كان ذلك في الفرج ] ( 1 ) .
( 1 ) رواه البخاري ومسلم والنسائي . . .
صفحة رقم -28-
الثاني : عن ابن
عباس ، قال :
( كان هذا الحي من الأنصار وهم أهل وثن ، مع هذا الحي من يهود ، وهم أهل كتاب ،
وكانوا يرون لهم فضلا عليهم في العلم ، فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم ، وكان من
أمر أهل الكتاب أن لا يأتوا النساء إلا على حرف ( 1 ) ، وذلك أستر ما تكون المرأة
، فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم ، وكان هذا الحي من قريش
يشرحون النساء شرحا منكرا ، ويتلذذون منهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات فلما قدم
المهاجرون المدينة ، تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار ، فذهب يصنع بها ذلك ،
فأنكرته عليه ، وقالت : إنما كنا نؤتى على حرف ، فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني ، حتى
شري ( 2 ) أمرها ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله عز وجل : (
نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ) . أي : مقبلات ومدبرات ومستلقيات ، يعني
بذلك موضع
( 1 ) أي : على جانب . " نهاية "
( 2 ) أي : عظم وتفاقم .
صفحة رقم -29-
الولد ( 1 ) .
6 - تحريم الدبر :
ويحرم عليه أن يأتيها في دبرها لمفهوم الآية السابقة : ( نساؤكم حرث لكم فأتوا
حرثكم أنى شئتم ) ،
( 1 ) أخرجه أبو داود والحاكم ، والبيهقي ، والواحدي في " الأسباب "
والخطابي في " غريب الحديث " ، وسنده حسن ، وصححه الحاكم على شرط مسلم
ووافقه الذهبي
وله عند الطبراني طريق آخر مختصر .
وله شاهد من حديث ابن عمر نحوه . أخرجه النسائي في " العشرة " بسند صحيح
، ثم روى هو والقاسم السرقسطي في " الغريب " ، وغيرهما ، عن سعيد بن
يسار قال :
قلت لابن عمر : إنا نشتري الجواري فنحمض لهن ، قال : وما التحميض ؟ قلت : نأتيهن
في أدبارهن قال : أف أو يفعل ذلك مسلم ؟
قلت : وسنده صحيح ، وهو نص صريح من ابن عمر في إنكاره أشد الإنكار إتيان النساء في
الدبر ، فما أورده السيوطي في " أسباب النزول " وغيره في غيره مما ينافي
هذا النص خطأ عليه قطعا فلا يلتفت إليه .
صفحة رقم -30-
والأحاديث
المتقدمة ، وفيه أحاديث أخرى :
الأول : عن أم سلمة رضي الله عنها قالت :
( لما قدم المهاجرون المدينة على الأنصار تزوجوا من نسائهم ، وكان المهاجرون ( 1 )
يجبون ( 2 ) ، وكانت الأنصار لا تجبي ، فأراد رجل من المهاجرين امرأته على ذلك ،
فأبت عليه حتى تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت : فأتته ، فاستحيت أن
تسأله ، فسألته أم سلمة ، فنزلت :
( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ) وقال : لا إلا في صمام ( 3 ) واحد ( 4 )
.
( 1 ) يعني نساء المهاجرين والأنصار .
( 2 ) من التجبية وهو الانكباب على الأرض وفي القاموس :
" جبى تجبية وضع يديه على ركبتيه وانكب على وجهه " .
( 3 ) أي : مسلك واحد ، وفي " النهاية " :
" الصمام : ما تسد به الفرجة ، فسمي الفرج به " .
( 4 ) أخرجه أحمد والسياق له ، والترمذي وصححه ، وأبو يعلى ، وابن أبي حاتم في
" تفسيره " ، والبيهقي ، وإسناده صحيح على شرط مسلم
اداب
الزفاف
صفحة رقم
-19-
1 - ملاطفة
الزوجة عند البناء بها :
يستحب له
إذا دخل على زوجته أن يلاطفها ، كأن يقدم إليها شيئا من الشراب ونحوه لحديث أسماء
بنت يزيد بن السكن ، قالت :
إني قينت
( 1 ) عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم جئته فدعوته لجلوتها ( 2 ) فجاء ،
فجلس إلى
صفحة رقم
-20-
جنبها ،
فأتي بعس [ ( 3 ) لبن ، فشرب ، ثم ناولها النبي صلى الله عليه وسلم فخفضت رأسها
واستحيت ، قالت أسماء : فانتهرتها ، وقلت لها : خذي من يد النبي صلى الله عليه
وسلم ، قالت : فأخذت ، فشربت شيئا ، ثم قال لها النبي صلى الله عليه وسلم : أعطي
تربك ( 4 ) ، قالت أسماء : فقلت : يا رسول الله بل خذه فاشرب منه ثم ناولنيه من
يدك ، فأخذه فشرب منه ثم ناولنيه ، قالت : فجلست ، ثم وضعته على ركبتي ، ثم طفقت أديره
وأتبعه بشفتي
______
( 1 ) أي : زينت
.
( 2 ) أي :
للنظر إليها مجلوة مكشوفة .
( 3 ) هو القدح
الكبير .
( 4 ) أي :
صديقتك .
صفحة رقم
-21-
لأصيب منه
شرب النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قال لنسوة عندي : [ ناوليهن
) ، فقلن : لا نشتهيه فقال صلى الله عليه وسلم : [ لا
تجمعن جوعا وكذبا
2 - وضع اليد
على رأس الزوجة والدعاء لها :
وينبغي أن
يضع يده على مقدمة رأسها عند البناء بها أو قبل ذلك ، وأن يسمي الله تبارك وتعالى
، ويدعو بالبركة ، ويقول ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم :
( إذا تزوج
أحدكم امرأة ، أو اشترى خادما ، [ فليأخذ بناصيتها ] ، [ وليسم الله عز وجل ] ، [
وليدع بالبركة ] ، وليقل :
( 1 ) أخرجه
أحمد بإسنادين يقوي أحدهما الآخر . وأشار المنذري إلى تقويته ، والحميدي أيضا في
مسنده . وله شاهد في الطبراني في " الصغير " و" الكبير
" ، و" تاريخ أصبهان " لأبي
الشيخ ، وكتاب " الصمت " لابن الدنيا .
( 2 ) الناصية :
منبت الشعر في مقدم الرأس كما في " اللسان " .
صفحة رقم
-22-
اللهم إني
أسألك من خيرها وخير ما جبلتها عليه ، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه ( 1
) .
( وإذا
اشترى بعيرا فليأخذ بذروه سنامه ، وليقل مثل ذلك ] ( 2 ) .
( 1 ) أي :
خلقتها وطبعتها عليه . " نهاية " .
قلت : وفي
الحديث دليل على أن الله خالق الخير والشر ، خلافا لمن يقول - من المعتزلة وغيرهم - بأن الشر ليس من خلقه
تبارك وتعالى ، وليس في كون الله خالقا للشر ما ينافي كماله تعالى ، بل هو من
كماله تبارك وتعالى . وتفصيل ذلك في المطولات ، ومن أحسنها كتاب
" شفاء العليل في القضاء والقدر والتعليل " ، لابن القيم ، فليراجعه من
شاء . وهل يشرع هذا الدعاء في شراء مثل السيارة ؟ وجوابي : نعم ، لما يرجى من
خيرها ، ويخشى من شرها .
( 2 ) أخرجه
البخاري في " أفعال العباد " ، وأبو داود ، وابن ماجه ، والحاكم ، والبيهقي
، وأبو يعلى في " مسنده " بإسناد حسن ، وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي .
وقال الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " :
" إسناده
جيد " . وأشار لصحته عبد الحق الإشبيلي في " الأحكام الكبرى " بسكوته
عليه كما نص في المقدمة ، وكذا ابن دقيق العيد في " الإلمام
" .
صفحة رقم
-22-
3 - صلاة
الزوجين معا :
ويستحب
لهما أن يصليا ركعتين معا ، لأنه منقول عن السلف . وفيه أثران
:
الأول :
عن أبي سعيد مولى أبي أسيد قال :
( تزوجت
وأنا مملوك ، فدعوت نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيهم ابن مسعود وأبو
ذر وحذيفة ، قال : وأقيمت الصلاة ، قال : فذهب أبو ذر ليتقدم ، فقالوا : إليك قال
: أو كذلك ؟ قالوا : نعم ، ( 1 ) قال : فتقدمت بهم وأنا عبد مملوك ، وعلموني
فقالوا :
( إذا دخل
عليك أهلك فصل ركعتين ، ثم سل الله من خير ما دخل عليك ، وتعوذ به من شره ، ثم
شأنك وشأن أهلك ( 2 ) .
( 1 ) قلت :
يشيرون بذلك إلى أن الزائر لا يؤم المزور في بيته إلا أن يأذن له ، لقوله صلى الله
عليه وسلم : " ولا يؤم الرجل في بيته ولا في سلطانه " . أخرجه مسلم وأبو عوانة في " صحيحيهما
" ، وهو في " صحيح أبي داود " .
( 2 ) أخرجه أبو
بكر بن أبي شيبة في " المصنف " . وعبد الرزاق أيضا ، وسنده صحيح إلى أبي
سعيد ، وهو مستور ، لم أجد من ذكره سوى أن الحافظ أورده في " الإصابة "
فيمن روى عن مولاه أبي أسيد مالك بن ربيعة الأنصاري ، ثم رأيته في ثقات ابن حبان
قال هندية :
" يروي
عن جماعة من الصحابة ، روى عنه أبو نضرة "
ثم ساق
هذه القصة دون قوله : فقالوا : . . . إلخ ، وهو رواية لابن أبي شيبة
.
www.alalbani.info
صفحة رقم
-23-
الثاني :
عن شقيق قال :
( جاء رجل
يقال له : أبو حريز ( 1 ) ، فقال : إني تزوجت جارية شابة [ بكرا ]
، وإني أخاف أن تفركني ( 2 ) ، فقال عبد الله ( يعني
ابن مسعود
( 1 ) بحاء
مفتوحة ، والأصل " حرير " بدون إعجام ، وقد أورده الذهبي في "
المشتبه " بالحاء ، وقال :
" له
صحبة " . ثم تناقض فذكره في " التجريد " بالجيم والراء المكسورة ، كما
حكاه عنه ابن ناصر الدين في " التوضيح " ، وقد حكى الوجهين عن غير واحد من
المتقدمين . والله أعلم .
( 2 ) أي :
تبغضني ، وفي " النهاية " : " فركت المرأة زوجها تفركه فركا بالكسر
، وفركا وفروكا فهي فروك " . فحة رقم
-24-
( إن الإلف
من الله ، والفرك من الشيطان ، يريد أن يكره إليكم ما أحل الله لكم فإذا أتتك فأمرها
أن تصلي وراءك ركعتين . زاد في رواية أخرى عن ابن مسعود :
( وقل :
اللهم بارك لي في أهلي ، وبارك لهم في ، اللهم اجمع بيننا ما جمعت بخير وفرق بيننا
إذا فرقت إلى خير ] ( 1 ) .
( 1 ) أخرجه أبو
بكر بن أبي شيبة في المصدر السابق ، وكذا عبد الرزاق في " مصنفه " وسنده صحيح ، وأخرجه الطبراني
بسندين صحيحين ، والزيادة مع الرواية الأخرى له ، ورواه في " الأوسط "
كما في الجمع بينه وبين " الصغير " من طريق الحسين بن واقد ، عن عطاء بن السائب ،
عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
:
" إذا
دخلت المرأة على زوجها يقوم الرجل ، فتقوم من خلفه فيصليان ركعتين ، ويقول
: اللهم
بارك لي في أهلي ، وبارك لأهلي في ، اللهم ارزقهم مني ، وارزقني منهم ، اللهم اجمع
بيننا ما جمعت في خير ، وفرق بيننا إذا فرقت في خير " .
وقال :
" لم يروه عن عطاء إلا الحسين " .
قلت :
يعني مرفوعا ، وعطاء بن السائب كان اختلط ، وقد رواه عنه حماد بن زيد به نحوه
موقوفا عليه ، وهو الصواب ، لأن حماد بن زيد روى عن عطاء قبل أن يختلط ، ولذلك
أوردناه في المتن ، وهي الرواية الأخرى عن ابن مسعود .
ثم رأيته
من طريق آخر عن ابن مسعود عند الثقفي ، فانظر : " إذا تزوج أحدكم . . .
" من " المعجم " .
وله شاهد
مرفوع عن سلمان ، أخرجه ابن عدي ، وأبو نعيم في " أخبار أصبهان
" ، والبزار في " مسنده "
بسند ضعيف تكلمت عليه في " معجم الحديث " بلفظ : " إذا تزوج أحدكم . . . " ، ورواه ابن عساكر
عنه وعن ابن عباس .
وروى عبد
الزراق عن ابن جريج قال :
حدثت أن
سلمان الفارسي تزوج امرأة ، فلما دخل عليها وقف على بابها ، فإذا هو بالبيت مستور
، فقال :
ما أدري
أمحموم بيتكم أم تحولت الكعبة إلى ( كندة ) والله لا أدخله حتى تهتك أستاره
فلما
هتكوها . . . دخل . . . ثم عمد إلى أهله ، فوضع يده على رأسها
. . . فقال : هل
أنت مطيعتي رحمك الله ؟ قالت : قد جلست مجلس من يطاع ، قال : إن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال لي :
" إن
تزوجت يوما فليكن أول ما تلتقيان عليه من طاعة الله " ، فقومي فلتصل ركعتين ،
فما سمعتني أدعو فأمني ، فصليا ركعتين ، وأمنت ، فبات عندها ، فلما أصبح ، جاءه
أصحابه ، فانتحاه رجل من القوم ، فقال : كيف وجدت أهلك ؟ فأعرض عنه ، ثم الثاني ،
ثم الثالث ، فلما رأى ذلك صرف وجهه إلى القوم ، وقال :
رحمكم
الله ، فيما المسألة عما غيبت الجدران والحجب والأستار ؟ بحسب امرئ أن يسأل عما
ظهر ، إن أخبر أو لم يخبر .
وفي
إسناده انقطاع كما هو ظاهر .
صفحة رقم
-26-
4 - ما يقول
حين يجامعها :
وينبغي أن
يقول حين يأتي أهله :
( بسم الله
، اللهم جنبنا الشيطان ، وجنب الشيطان ما رزقتنا .
قال صلى
الله عليه وسلم :
( فإن قضى
الله بينما ولدا لم يضره الشيطان أبدا " ( 1 ) .
( 1 ) أخرجه
البخاري وبقية أصحاب السنن إلا النسائي . . .
صفحة رقم
-27-
5 - كيف
يأتيها :
ويجوز له
أن يأتيها في قبلها من أي جهة شاء ، من خلفها أو من أمامها ، لقول الله تبارك
وتعالى : : ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ) ، أي : كيف شئتم مقبلة ومدبرة ، وفي ذلك أحاديث أكتفي
باثنين منها :
الأول عن
جابر رضي الله عنه قال :
( كانت
اليهود تقولك إذا أتى الرجل امرأته من دبرها في قبلها كان الولد أحول فنزلت : (
نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ) [ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
مقبلة ومدبرة إذا كان ذلك في الفرج ] ( 1 ) .
( 1 ) رواه
البخاري ومسلم والنسائي . . .
صفحة رقم
-28-
الثاني :
عن ابن عباس ، قال :
( كان هذا
الحي من الأنصار وهم أهل وثن ، مع هذا الحي من يهود ، وهم أهل كتاب ، وكانوا يرون
لهم فضلا عليهم في العلم ، فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم ، وكان من أمر أهل الكتاب
أن لا يأتوا النساء إلا على حرف ( 1 ) ، وذلك أستر ما تكون
المرأة ، فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم ، وكان هذا الحي من
قريش يشرحون النساء شرحا منكرا ، ويتلذذون منهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات فلما قدم
المهاجرون المدينة ، تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار ، فذهب يصنع بها ذلك ،
فأنكرته عليه ، وقالت : إنما كنا نؤتى على حرف ، فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني ، حتى
شري ( 2 ) أمرها ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله عز وجل : (
نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ) . أي : مقبلات ومدبرات ومستلقيات ، يعني
بذلك موضع
( 1 ) أي : على
جانب . " نهاية "
( 2 ) أي : عظم
وتفاقم .
صفحة رقم
-29-
الولد ( 1
) .
6 - تحريم
الدبر :
ويحرم
عليه أن يأتيها في دبرها لمفهوم الآية السابقة : ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى
شئتم ) ،
( 1 ) أخرجه أبو
داود والحاكم ، والبيهقي ، والواحدي في " الأسباب " والخطابي في " غريب الحديث " ، وسنده
حسن ، وصححه الحاكم على شرط مسلم ووافقه الذهبي
وله عند
الطبراني طريق آخر مختصر .
وله شاهد
من حديث ابن عمر نحوه . أخرجه النسائي في " العشرة " بسند صحيح ، ثم روى
هو والقاسم السرقسطي في " الغريب " ، وغيرهما ، عن سعيد بن يسار قال
:
قلت لابن
عمر : إنا نشتري الجواري فنحمض لهن ، قال : وما التحميض ؟ قلت : نأتيهن في أدبارهن
قال : أف أو يفعل ذلك مسلم ؟
قلت :
وسنده صحيح ، وهو نص صريح من ابن عمر في إنكاره أشد الإنكار إتيان النساء في الدبر
، فما أورده السيوطي في " أسباب النزول " وغيره في غيره مما ينافي هذا
النص خطأ عليه قطعا فلا يلتفت إليه .
صفحة رقم
-30-
والأحاديث
المتقدمة ، وفيه أحاديث أخرى :
الأول :
عن أم سلمة رضي الله عنها قالت :
( لما قدم
المهاجرون المدينة على الأنصار تزوجوا من نسائهم ، وكان المهاجرون ( 1 ) يجبون ( 2
) ، وكانت الأنصار لا تجبي ، فأراد رجل من المهاجرين امرأته على ذلك ، فأبت عليه
حتى تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت : فأتته ، فاستحيت أن تسأله ،
فسألته أم سلمة ، فنزلت :
( نساؤكم
حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ) وقال : لا إلا في صمام ( 3 ) واحد ( 4
) .
( 1 ) يعني نساء
المهاجرين والأنصار .
( 2 ) من
التجبية وهو الانكباب على الأرض وفي القاموس :
" جبى
تجبية وضع يديه على ركبتيه وانكب على وجهه " .
( 3 ) أي : مسلك
واحد ، وفي " النهاية " :
" الصمام
: ما تسد به الفرجة ، فسمي الفرج به " .
( 4 ) أخرجه
أحمد والسياق له ، والترمذي وصححه ، وأبو يعلى ، وابن أبي حاتم في " تفسيره
" ، والبيهقي ، وإسناده صحيح على شرط مسلم
www.alalbani.info
صفحة رقم
-31-
الثاني :
عن ابن عباس رضي الله عنه قال :
( جاء عمر
بن الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله هلكت . قال : وما
الذي أهلكك ؟ قال : حولت رحلي الليلة ( 1 ) ، فلم يرد عليه شيئا ، فأوحي إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ، يقول
: أقبل وأدبر ، واتقل الدبر والحيضة " ( 2 )
( 1 ) كنى برحله
عن زوجته ، أراد بها غشيانها في قبلها من جهة ظهرها ، لأن المجماع يعلو المرأة
ويركبها مما يلي وجهها ، فحيث ركبها من جهة ظهرها كنا عنه بتحويل رحله ، إما أن
يريد به المنزل والمأوى ، وإما أن يريد به الرحل الذي تركب عليه الإبل ، وهو الكور
. " نهاية " .
( 2 ) رواه
النسائي في " العشرة " ، والترمذي ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ،
والواحدي بسند حسن . وحسنه الترمذي .
www.alalbani.info
صفحة رقم
-32-
الثالث :
عن خزيمة بن ثابت رضي الله عنه :
( أن رجلا
سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن إتيان النساء في أدبارهن ، أو إتيان الرجل امرأته
في دبرها ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : حلال . فلما ولى الرجل دعاه ، أو أمر به فدعي ، فقال :
كيف قلت ؟ في أي الخربتين ، أوفي الخرزتين ، أو في أي الخصفتين ( 1 ) ؟ أمن دبرها
في قبلها ؟ فنعم ، أم من دبرها في دبرها ؟ فلا ، فإن الله لا يستحي من الحق ، لا
تأتوا النساء في أدبارهن " ( 2 ) .
( 1 ) يعني : في
أي الثقبين ، والألفاظ الثلاثة بمعنى واحد كما في " النهاية
" .
( 2 ) رواه
الشافعي وقواه ، وعنه البيهقي ، والدارمي ، والطحاوي ، والخطابي في " غريب
الحديث " ، وسنده صحيح كما قال ابن الملقن في " الخلاصة " ، وعله عن
دالنسائي في " العشرة " والطحاوي والبيهقي وابن عساكر طرق أخر ، أحدها جيد
كما قال المنذري ، وصححه ابن حبان ، وابن حزم ، ووافقهما الحافظ في
" الفتح
.
www.alalbani.info
صفحة رقم
-33-
الرابع :
[ لا ينظر الله إلى رجل يأتي امرأته في دبرها ] ( 1 ) .
الخامس :
[ ملعون من
يأتي النساء في محاشهن . يعني : أدبارهن . السادس : [ من أتى حائضا ، أو امرأة في
دبرها ، أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ] ( 3
) .
( 1 ) أخرجه
النسائي في " العشرة " ، والترمذي ، وابن حبانمن حديث ابن عباس وسنده
حسن ، وحسنه الترمذي ، وصححه ابن راهويه كما في " مسائل المروزي " ، وله
طريق آخر عند ابن الجارود بسند جيد ، وقواه ابن دقيق العيد ، والنسائي ، وابن
عساكر ، وأحمد ، من حديث أبي هريرة .
( 2 ) أخرجه ابن
عدي من حديث عقبة بن عامر بسند حسن ، وهو من رواية ابن وهب عن ابن لهيعة ، وله
شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا به . أخرجه أبو داود ، وأحمد .
( 3 ) أخرجه
أصحاب " السنن " الأربعة إلا النسائي ، فرواه في " العشرة " ، والدارمي ، وأحمد واللفظ له
والضياء في " المختارة " من حديث أبي أبي هريرة وسنده صحيح كما بينته في
" نقد التاج " .
وروى
النسائي ، وابن بطة في " الإبانة " عن طاوس قال :
سئل ابن
عباس عن الذي يأتي امرأته في دبرها ؟ فقال : هذا يسألني عن الكفر ؟ وسنده صحيح ،
وعن أبي هريرة نحوه بسند فيه ضعف .
وقال
الذهبي في " سير أعلام النبلاء " :
" قد
تيقنا بطرق لا محيد عنها نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن أدبار النساء وجزمنا
بتحريمه ، ولي في ذلك مصنف كبير " .
قلت : فلا
تغتر بعد هذا بقول الشيخ جمال الدين القاسمي في " تفسيره
" :
" إنها
ضعيفة " لأنها دعوى من غير مختص بهذا العلم أولا ، وخلاف ما يقتضيه البحث
العلمي ، وشهادة الأئمة بصحة بعضها وحسن بعضها ، وجم الإمام الذهبي بالتحريم الذي
اجتمعت عليه مفردات أحاديث الباب . وفي مقدمة المصححين الإمام إسحاق بن راهويه ،
ثم تتابعت أقوال الأئمة من بعده من المتقدمين والمتأخرين كالترمذي وابن حبان وابن
حزم والضياء والمنذري وابن الملقن وابن دقيق العيد وابن حجر ، وغيرهم ممن ذكروا في
غير هذا الموضع ، فانظر مثلا " الإرواء " ( 7/65 - 70
) .
www.alalbani.info
صفحة رقم
-35-
7 - الوضوء
بين الجماعين :
وإذا
أتاها في المحل المشروع ، ثم أراد أن يعود إليها توضأ لقوله صلى الله عليه وسلم
:
( إذا أتى
أحدكم أهله ، ثم أراد أن يعود ، فليتوضأ [ بينهما وضوءا ] وفي رواية : وضوءه
للصلاة ) [ فإنه أنشط في العود ] ( 1 ) .
8 - الغسل
أفضل :
لكن الغسل
أفضل من الوضوء لحديث أبي رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف ذات يوم على نسائه
، يغتسل عند هذه وعند هذه ، قال : فقلت له : يا رسول الله ألا تجعله غسلا واحدا ؟
قال :
( 1 ) أخرجه
مسلم ، وابن أبي شيبة في " المصنف " ، وأحمد وأبو نعيم والزيادة له ،
وغيرهم من حديث أبي سعيد الخدري ، وقد خرجناه في " صحيح سنن أبي داود "
برقم ( 216 ) .
صفحة رقم
-36-
( هذا أزكى
وأطيب وأطهر ] ( 1 ) .
9 - اغتسال
الزوجين معا :
ويجوز
لهما أن يغتسلا معا في مكان واحد ، ولو رأى منه ورأت منه ، وفيه أحاديث
:
الأول :
عن عائشة رضي الله عنها قالت :
( كنت اغتسل
أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء بيني وبينه واحد [ تختلف أيدينا فيه ] ، فيبادرني حتى أقول : دع
لي ، دع لي ، قالت : وهما جنبان ] ( 2 ) .
( 1 ) رواه أبو
داود ، والنسائي في " عشرة النساء " والطبراني ، وأبو نعيم في " الطب "
بسند حسن ، وقواه الحافظ ، وقد تكلمت عليه في " صحيح السنن " رقم ( 215
) .
( 2 ) رواه
البخاري ومسلم وأبو عوانة في " صحاحهم " ، والسياق لمسلم ، والزيادة له
وللبخاي في رواية ، وترجم له ب " باب غسل الرجل مع امرأته
" . . .
صفحة رقم
-39-
10 - الثاني :
عن معاوية بن حيدة قال :
قلت : يا
رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر ؟ قال : [ احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما
ملكت يمينك ] . قال :
صفحة رقم
-40-
قلت : يا
رسول الله إذا كان القوم بعضهم في بعض ؟ قال :
( إن استطعت
أن لا يرينها أحد ، فلا يرينها ] . قال :
فقلت : يا
رسول الله إذا كان أحدنا خاليا ؟ قال :
( الله أحق
أن يستحيى منه من الناس ] ( 1 ) .
( 1 ) رواه
أصحاب " السنن " إلا النسائي ، والروياني في " المسند " ،
وكذا أحمد ، والبيهقي ، واللفظ لأبي داود ، وسنده حسن وصححه الحاكم ، ووافقه الذبي
، وقواه ابن دقيق العيد في " الإلمام " .
والحديث
ترجم له النسائي ب " نظر المرأة إلى عورة زوجها " ، وعلقه البخاري في
" صحيحه " في " باب من اغتسل عريانا وحده في الخلوة ، ومن تستر
فالستر افضل " ، ثم ساق حديث أبي هريرة في اغتسال كل من موسى وأيوب عليهما
السلام في الخلاء عريانين ، فأشار في إلى أن قوله في الحديث : " الله أحق أن
يستحيى منه " محمول على ما هو الأفضل والأكمل ، وليس على
ظاهره المفيد للوجوب ، قال المناوي :
" وقد
حمله الشافعية على الندب ، وممن وافقهم ابن جريج ، فأول الخبر في " الآثار
" على الندب ، قال : لأن الله تعالى لا يغيب عنه شيء من خلقه عراة أو غير
عراة " .
وذكر
الحافظ في " الفتح " نحوه ، فراجعه إن شئت ( 1/307 ) .
صفحة رقم
-41-
10 - توضؤ
الجنب قبل النوم :
ولا
ينامان جنبين إلا إذا توضآ ، وفيه أحاديث :
الأول :
عن عائشة رضي الله عنها قالت :
( كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن [ يأكل أو ] ينام وهو جنب غسل فرجه ، وتوضأ
وضوءه للصلاة ) ( 1 )
الثاني :
عن ابن عمر رضي الله عنهما :
( أن عمر
قال : يا رسول الله أينام أحدنا وهو
( 1 ) أخرجه
البخاري ومسلم وأبو عوانة في " صحاحهم " .
صفحة رقم
-42-
جنب ؟ قال
: نعم إذا توضأ ) ، وفي رواية :
( توضأ
واغسل ذكرك ، ثم نم ) . وفي رواية :
( نعم ،
ليتوضأ ثم لينم حتى يغتسل إذا شاء ) .
وفي أخرى
:
( نعم ،
ويتوضأ إن شاء ( 1 ) .
الثالث :
عن عمار بن ياسر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
:
( ثالثة لا
تقربهم الملائكة : جيفة الكافر ، والمتضمخ ( 2 )
( 1 ) أخرجه
الثلاثة في " صحاحهم " ، وابن عساكر ، والرواية الثانية لأبي داود بسند
صحيح كما بينته في " صحيح أبي داود " ، والرواية الثالثة لمسلم وأبو
عوانة والبيهقي ، والأخيرة لابن خزيمة وابن حبان في " صحيحيهما " كما في
" التلخيص " ، وهي تدل على عدم وجوب هذا الوضوء ، وهو مذهب جمهور العلماء
، وسيأتي لهذا زيادة بيان في المسألة التالية ، وإذا كان كذلك فبالأولى أن لا يجب
هذا على الوضوء على غير الجنب . فتنبه
( 2 ) أي :
المنكر التلطخ ب " الخلوق " ، وهو بفتح المعجمة ، قال ابن الأثير
:
" وهو
طيب معروف ، مركب من الزعفران وغيره من أنواع الطيب ، وإنما نهي عنه لأنه من طيب
النساء " .
صفحة رقم
-43-
بالخلوق ،
[ والجنب إلا أن يتوضأ ( 1 )
11 - حكم هذا
الوضوء :
وليس ذلك
على الوجوب ، وإنما للاستحباب المؤكد ، لحديث عمر أنه سأل رسول الله صلى الله عليه
وسلم : أينام أحدنا وهو جنب ؟ فقال :
( نعم ،
ويتوضأ إن شاء ) ابن حبان في صحيحه .
حديث حسن
، أخرجه أبو داود في " سننه " من طريقين ، وأحمد والطحاوي والبيهقي من أحدهما
، وصححه الترمذي وغيره ، وفيه نظر بينته في كتابي " ضعيف سنن أبي داود "
، لكن متن الطريق الأولى وهو هذا له شاهدان أوردهما الهيثمي في
" المجمع
" ، ولهذا حسنته ، وأحدهما عند الطبراني في " الكبير " من حديث ابن
عباس .
( 2 ) رواه ابن
حبان في " صحيحه " عن شيخه ابن خزيمة ، وإلى " صحيحه " عزاه
الحافظ في " التلخيص " كما تقدم قريبا ، ثم قال الحافظ
:
" وأصله
في " الصحيحين " دون قوله : إن شاء " .
قلت :
بل هو في
" صحيح مسلم " أيضا بهذه الزيادة كما سبق تخريجه آنفا ، وهي دليل صريح
على عدم وجوب الوضوء قبل النوم على الجنب ، خلافا للظاهرية .
صفحة رقم
-44-
ويؤيده
حديث عائشة قالت :
( كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب من غير أن يمس ماء [ حتى يقوم بعد ذلك
فيغتسل ] ( 1 )
( 1 ) رواه ابن
أبي شيبة ، وأصحاب " السنن " إلا النسائي ، والطحاوي والطيالسي وأحمد
والبغوي في " حديث علي بن الجعد " وأبو يعلى في " مسنده
" ، والبيهقي والحاكم وصححاه ، وهو كما
قالا كما بينته في " صحيح أبي داود " برقم ، ورواه عفيف الدين أبو المعالي في "
ستين حديثا " برقم ( 6 ) بلفظ :
" فإن
استيقظ من آخر الليل ، فإن كان له في أهله حاجة عاودهم ثم اغتسل
" .
وفي سنده
أبو حنيفة رحمه الله .
وروى ابن
أبي شيبة بسند حسن عن ابن عباس قال :
" إذا
جامع الرجل ثم أراد أن يعود فلا بأس أن يؤخر الغسل "
وعن سعيد
بن المسيب قال :
" إن
شاء الجنب نام قبل أن يتوضأ " .
وسنده
صحيح ، وهو مذهب الجمهور .
صفحة رقم
-45-
وفي رواية
عنها :
( كان يبيت
جنبا فيأتيه بلال ، فيؤذنه بالصلاة ، فيقوم فيغتسل ، فأنظر إلى تحدر الماء من رأسه
، ثم يخرج فأسمع صوته في صلاة الفجر ، ثم يظل صائما . قال مطرف : فقلت لعامر : في رمضان ؟ قال : نعم
، سواء رمضان أو غيره ( 1 )
12 - تيمم
الجنب بدل الوضوء :
ويجوز
لهما التيمم بدل الوضوء أحيانا لحديث عائشة قالت :
( كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم إذا أجنب فأراد أن ينام توضأ ،
( 1 ) رواه ابن
أبي شيبة ، من رواية الشعبي عن مسروق عنها . وسنده صحيح ، وهو شاهد قوي للذي قبله
، وكذا رواه أحمد ، وأبو يعلى في " مسنده " ، وله عندي طريق أخرى
.
صفحة رقم
-46-
أو تيمم (
1 ) .
13 - اغتساله
قبل النوم أفضل :
واغتسالهما
أفضل ، لحديث عبد الله بن قيس قال :
( 1 ) رواه
البيهقي من طريق عثام بن علي عن هشام عن أبيه عنها . قال الحافظ في " الفتح
" :
" إسناده
حسن " .
قلت :
رواه ابن
أبي شيبة عن عثام به موقوفا عليها في الرجل يصيبه جنابة من الليل فيريد أن ينام ،
قالت : يتوضأ أو يتيمم . وسنده صحيح .
وقد تابعه
إسماعيل بن عياش ، عن هشام بن عروة به مرفوعا ، ولفظه :
" كان
إذا واقع بعض أهله فكسل أن يقوم ضرب يده على الحائط فتيمم " .
رواه
الطبراني في " الأوسط " عن بقية بن الوليد عنه ، وقال
: :
" لم
يروه عن هشام إلا إسماعيل " .
قلت :
وإسماعيل
ضعيف في روايته عن الحجازيين وهذه منها ، لكنه قد تابعه عثام بن علي - وهو ثقة كما
سبق - ففي متابعته رد على الطبراني كما لا يخفى .
صفحة رقم
-47-
( سألت
عائشة قلت : كيف كان صلى الله عليه وسلم يصنع في الجنابة ؟ أكان يغتسل قبل أن ينام
، أم ينام قبل أن يغتسل ؟ قالت : كل ذلك قد كان يفعل ، ربما اغتسل فنام ، وربما
توضأ فنام ، قلت : الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة ( 1 )
14 - تحريم
إتيان الحائض :
ويحرم
عليه أن يأتيها في حيضها ( 2 ) لقوله تبارك وتعالى : ويسألونك عن المحيض قل هو أذى
( 3 ) فاعتزلوا
( 1 ) مسلم وأبو
عوانة وأحمد .
( 2 ) قال
الشوكاني في " فتح القدير " :
" ولا
خلاف بين أهل العلم في تحريم وطء الحائض ، وهو معلوم من ضرورة الدين
" .
( 3 ) أي : هو
شيء تتأذى به المرأة . وفسره القرطبي وغيره برائحة دم الحيض . قال السيد رشيد رضا
رحمه الله :
" أخذه
على ظاهره مقرر في الطب ، فلا حاجة إلى العدول عنه " ، ويعني به الضرر
الجسماني ، قال :
" لأن
غشيانهن سبب للأذى والضرر ، وإذا سلم الرجل من هذا الأذى ، فلا تكاد تسلم منه
المرأة ، لأن الغشيان يزعج أعضاء النسل فيها إلى ما ليست مستعدة له ، ولا قادرة
عليه لاشتغالها بوظيفة طبيعية أخرى ، وهي إفراز الدم المعروف " .
صفحة رقم
-48-
النساء في
المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن ( 1 ) فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله
يحب التوابين ويحب المتطهرين .
وفيه
أحاديث :
الأول :
من قوله صلى الله عليه وسلم :
( من أتى
حائضا ، أو امرأة في دبرها ، أو كاهنا
( 1 ) هو انقطاع
دم الحيض ، وهو ما لا يكون بفعل النساء بخلاف التطهر في قوله : {فإذا تطهرن} ،
فإنه من عملهن ، وهو استعمال الماء منهن ، وسيأتي بيان المراد منه في المسألة ( 17
) .
صفحة رقم
-49-
فصدقه بما
يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ( 1 ) الثاني : عن أنس بن مالك قال
:
( إن اليهود
كانت إذا حاضت منهم المرأة أخرجوها من البيت ، ولم يؤاكلوها ، ولم يشاربوها ، ولم
يجامعوها ( 2 ) في البيت ، فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فأنزل الله
تعالى ذكره ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض إلى آخر الآية
، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : جامعوهن في البيوت ، واصنعوا كل شيء غير
النكاح ، فقالت اليهود : ما يريد هذا الرجل ألا يدع شيئا من أمرنا إلا خالفنا فيه
، فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالا يا رسول
الله إن اليهود تقول كذا وكذا ، أفلا ننكحهن في المحيض ؟ فتمعر ( 3 ) وجه رسول
الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننا أن قد وجد ( 4 ) عليهما ، فخرجا ، فاستقبلتهما
هدية من لبن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبعث في آثارهما فسقاهما ، فظننا
أنه لم يجد عليهما ( 5 ) .
( 1 ) حديث صحيح
. رواه أصحاب " السنن " وغيرهم كما سبق في المسالة .
( 2 ) أي : لم
يخالطوها .
( 3 ) أي : تغير
.
( 4 ) أي : غضب
.
( 5 ) أخرجه
مسلم وأبو عوانة في " صحيحيهما " .
صفحة رقم
-50-
15 - كفارة من
جامع الحائض :
من غلبته
نفسه فأتى الحائض قبل أن تطهر من حيضها ، فعليه أن يتصدق بنصف جنيه ذهب إنكليزي
تقريبا أو ربعها ، لحديث عبد الله بن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه
وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض ، قال :
( يتصدق
بدينار أو نصف دينار ( 1 )
( 1 ) أخرجه
أصحاب " السنن " والطبراني في " المعجم الكبير " وابن
الأعرابي في " معجمه ، والدارمي والحاكم والبيهقي بإسناد صحيح على شرط
البخاري ، وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي ، وابن دقيق العيد ، وابن التركماني وابن القيم
وابن حجر العسقلاني كما بينته في " صحيح سنن أبي داود " ، وكذا وافقه ابن
الملقنفي " خلاصة البدر المنير " ، وقواه الإمام أحمد قبل هؤلاء ، وجعله
من مذهبه فقال أبو داود في " المسائل " :
" سمعت
أحمد سئل عن الرجل يأتي امرأته وهي حائض ؟ قال : ما أحسن حديث عبد الحميد فيه (
قلت : يعني هذا ) ، قلت : وتذهب إليه ؟ قال : نعم ، إنما هو كفارة . [ قلت
] : فدينار أو
نصف دينار : قال : كيف شاء " .
وذهب على
العمل بالحديث جماعة آخرون من السلف ذكر أسماءهم الشوكاني في النيل ، وقواه
.