( 1 ) أخرجه أبو داود ، وأحمد بسند جيد .
وهذا
سند جيد رجاله ثقات رجال مسلم ، غير أسيد هذا فوثقه ابن حبان ، وروى عنه جماعة من
الثقات ، وحسن له الترمذي في " الجنائز " وصحح له جماعة ، ولذا قال
الذهبي والحافظ :
" صدوق "
صفحة
رقم -153-
الثاني
: عن ثوبان رضي الله عنه قال :
( جاءت
بنت هبيرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفي يدها فتخ [ من ذهب
] [ أي
خواتيم كبار ] ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يضرب يدها [ بعصية معه يقول لها :
أيسرك أن يجعل الله في يدك خواتيم من نار ؟ ] ، فأتت فاطمة تشكو إليها ، قال ثوبان
: فدخل النبي صلى الله عليه وسلم على فاطمة وأنا معه وقد أخذت من عنقها سلسلة من
ذهب ، فقالت : هذا أهدى لي أبو حسن ( تعني زوجها عليا رضي الله عنه ) - وفي يدها
السلسلة - فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا فاطمة أيسرك أن يقول الناس : فاطمة
بنت محمد في يدها سلسلة من نار ؟ [ ثم عذمها ( 1 ) عذما شديدا ] ، فخرج ولم يقعد ،
فعمدت فاطمة إلى السلسلة فباعتها فاشترت بها نسمة ، فأعتقتها ، فبلغ ذلك النبي صلى
الله عليه وسلم ، فقال : الحمد لله الذي نجى فاطمة من النار ( 2
)
( 1 ) أي : لامها وعنفها ، والعذم : الأخذ باللسان واللوم ، كذا في " اللسان
" .
( 2 ) أخرجه النسائي والطيالسي ومن طريقه الحاكم والطبراني في " الكبير وكذا
أحمد وإسناده صحيح موصول وكذلك صححه ابن حزم وقال الحاكم : " صحيح على شرط الشيخين
" . ووافقه الذهبي
صفحة
رقم -159-
الثالث
: عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في يد عائشة قلبين ملويين من ذهب ،
فقال : ألقيهما عنك ، واجعلي قلبين من فضة ، وصفريها
بزعفران ( 1 ) .
( 1 ) رواه القاسم السرقسطي في " غريب الحديث " بسند صحيح ، والنسائي
والخطيب ، والبزار نحوه .
و(
القلبين ) : السوارين . ( ملويين ) : مفتولين .
صفحة
رقم -161-
الرابع
: عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت :
( جعلت
شعائر ( 1 ) من ذهب في رقبتها ، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم ، فأعرض عنها ،
فقلت : ألا تنظر إلى زينتها ، فقال : عن زينتك أعرض ، [ قالت
: فقطعتها
، فأقبل علي بوجهه ] . قال ( 2 ) : زعموا أنه قال : ما ضر إحداكن لو
( 1 ) جمع " شعيرة " وهي ضرب من الحلي على شكل الشعيرة
.
( 2 ) يعني : الراوي ، وهو عطاء بن أبي رباح ، فإنه راوي الحديث عن أم سلمة ، وعليه
فهذا القدر من الحديث مرسل ، لأنه لم يسنده إلى أم سلمة ، فهو ضعيف ، نعم أسنده
ليث بن أبي سليم ، فقال : عن عطاء عن أم سلمة به نحه ، أخرجه أحمد ، والطبراني في
" الكبير " ، غير أن ليثا فيه ضعف من قبل حفظه ، وعطاء لم يسمع منها ،
لكن هذا القدر من الحديث صحيح أيضا لأنه مرسل صحيح الإسناد ، وقد روي موصولا كما
علمت ، وله شاهدان موصولان من حديث أسماء وأبي هريرة كما يأتي
.
صفحة
رقم -162-
جعلت
خرصا ( 1 ) من ورق ، ثم جعلته بزعفران ( 2 ) .
( 1 ) الخرص بالضم والكسر : الحلقة الصغيرة من الحلي . وهو من حلي الأذن . "
نهاية " .
( 2 ) أي : صفرته بزعفران .
والحديث
رواه أحمد بسند صحيح على شرط الشيخين . وهو مرسل صحيح الإسناد
.
صفحة
رقم -163-
وفي
حديث أسماء بنت يزيد في قصة أخرى نحوه :
صفحة
رقم -165-
زعفران
، فإذا هو كالذهب يبرق ( 1 )
( 1 ) أخرجه أحمد وأبو نعيم وابن عساكر . وهو شاهد حسن لما قبله
.
وتتخذ
لها جمانتين من فضة ، فتدرجه بين أناملها بشيء من
40 - شبهات
حول تحريم الذهب المحلق ، وجوابها
واعلم
أن كثيرا من علماء أعرضوا عن العمل بهذه الأحاديث لشبهات قامت لديهم ظنوها أدلة ،
ولا يزال
صفحة
رقم -166-
كثيرون
منهم يتمسكون بها على أنها حجج تسوغ لهم ترك هذه الأحاديث ، ولذلك رأيت أنه لا بد
من حكاية تلك الشبهات والرد عليها ، كي لا يغتر بها من لا علم عنده بطرق الجمع بين
الأحاديث ، فيقع في مخالفة الأحاديث الصحيحة المحكمة ، بدون حجة أو بينة ، فأقول
:
دعوى
الإجماع على إباحة الذهب مطلقا للنساء ، وردها
1 - ادعى
بعضهم الإجماع على إباحة الذهب مطلقا للنساء ، وهذا مردود من وجوه
:
الإجماع
الصحيح :
الأول
: أنه لا يمكن إثبات صحة الإجماع في هذه المسألة
، وإن نقله البيهقي في [ سننه ) ( 4/124 ) وغيره ، مثل الحافظ ابن حجر
في [ الفتح ) ، ولكن هذا كأنه أشار لعدم ثبوته حين قال : ( 10/260 ) في بحث خاتم
الذهب :
( فقد
نقل الإجماع على إباحته للنساء ) ، ويأتي قريبا ما يبطل هذا الإجماع ، وذلك لأنه
لا يستطيع أحد
صفحة
رقم -167-
أن
يدعي أنه إجماع معلوم من الدين بالضرورة ، وغير هذا الإجماع مما لا يمكن تصوره ،
فضلا عن وقوعه ، ولهذا قال الإمام أحمد رضي الله عنه :
( من
ادعى الإجماع فهو كاذب ، [ وما يدريه ؟ ] ، لعل الناس اختلفوا
) .
رواه
ابنه عبد الله في [ مسائله ) ( ص 390 ) .
وتفصيل
القول في هذا الموضوع الخطير ليس هذا موضعه ، فليراجع من شاء التحقيق بعض كتب علم
أصول الفقه التي لا يقلد مؤلفوها من قبلهم مثل : [ أصول الأحكام
) لابن
حزم ( 4/128 - 144 ) ، و[ إرشاد الفحول ) للشوكاني ، ونحوهما
.
استحالة
وجود إجماع صحيح على خلاف حديث صحيح دون وجود ناسخ صحيح
الثاني
: لو كان يمكن إثبات الإجماع في الجملة ، لكان
ادعاؤه في خصوص هذه المسألة غير صحيح ، لأنه مناقض للسنة الصحيحة ، وهذا مما لا
يمكن تصوره أيضا لأنه يلزم منه اجتماع الأمة على ضلال ، وهذا
صفحة
رقم -168-
مستحيل
لقوله صلى الله عليه وسلم : [ لا تجتمع أمتي على ضلالة ) ، ومثل هذا الإجماع لا
وجود له إلا في الذهن والخيال ، ولا أصل له في الوجود والواقع ، قال أبو محمد بن
حزم رحمه الله تعالى في [ أصول الأحكام ) ( 2/71 - 72 ) :
( وقد
أجاز بعض أصحابنا أن يرد حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ويكون الإجماع على
خلافه ، قال : وذلك دليل على أنه منسوخ . وهذا عندنا خطأ فاحش متيقن لوجهين
برهانيين ضروريين :
أحدهما
: أن ورود حديث صحيح يكون الإجماع على خلافه معدوم لم يكن قط ، ولا هو في العالم ،
فمن ادعى أنه موجود فليذكره لنا ، ولا سبيل له - والله - إلى وجوده أبدا
.
والثاني
: أن
الله تعالى قد قال : إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ، فمضمون عند كل من يؤمن
بالله واليوم الآخر أن ما تكفل الله عز وجل بحفظه فهو غير ضائع أبدا ، لا يشك في
ذلك مسلم ، وكلام النبي صلى الله عليه وسلم كله وحي بقوله تعالى : وما ينطق عن
الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى ، والوحي ذكر بإجماع الأمة كلها
صفحة
رقم -169-
والذكر
محفوظ بالنص ، فكلامه عليه السلام محفوظ بحفظ الله تعالى عز وجل ضرورة ، منقول كله
إلينا لا بد من ذلك ، فلو كان هذا الحديث الذي ادعى هذا القائل أنه مجمع على تركه
، وأنه منسوخ كما ذكر ، لكان ناسخه الذي اتفقوا عليه قد ضاع ولم يحفظ ، وهذا تكذيب
لله عز وجل في أنه حافظ للذكر كله ، ولو كان ذلك لسقط كثير مما بلغ عليه السلام عن
ربه ، وقد أبطل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله في حجة الوداع : اللهم
هل بلغت ؟ ) . قال :
( ولسنا
ننكر أن يكون حديث صحيح ، وآية صحيحة التلاوة منسوخين إما بحديث آخر صحيح ، ، وإما
بآية متلوة ، ويكون الاتفاق على النسخ المذكور قد ثبت ، بل هو موجود عندنا إلا
أننا نقول : لا بد أن يكون الناسخ لهما موجودا أيضا عندنا ،
منقولا إلينا ، محفوظا عندنا ، مبلغا نحونا بلفظه ، قائم النص لدينا ، لا بد من
ذلك ، وإنما الذي منعنا منه فهو أن يكون المنسوخ محفوظا منقولا مبلغا إلينا ،
ويكون الناسخ له قد سقط ولم ينقل إلينا لفظه ، فهذا باطل عندنا ، لا سبيل إلى
وجوده في العالم أبد الأبد ، لأنه معدوم البتة ، قد دخل - بأنه غير
صفحة
رقم -170-
كائن
- في باب المحال ، والممتنع عندنا ، وبالله تعالى التوفيق
) .
تقديم
السنة على الإجماع الذي ليس معه كتاب أو سنة
وقال
العلامة المحقق ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى :
( ولم
يزل أئمة الإسلام على تقديم الكتاب على السنة ، والسنة على الإجماع ، وجعل الإجماع
في المرتبة الثالثة . قال الشافعي : الحجة كتاب الله وسنة رسوله واتفاق الأئمة ،
وقال في [ كتاب اختلافه مع مالك ) :
( والعلم
طبقات : الأولى الكتاب والسنة الثابتة ، ثم الإجماع فيما ليس كتابا ولا سنة
. . . ) .
وقال
ابن القيم أيضا في صدد بيان أصول فتاوى الإمام أحمد :
( ولم
يكن ( يعني الإمام أحمد ) يقدم على الحديث الصحيح عملا ولا رأيا ولا قياسا ولا قول
صاحب ، ولا عدم علمه بالمخالف الذي يسميه كثير من الناس إجماعا ويقدمونه على
الحديث الصحيح وقد كذب أحمد من
صفحة
رقم -171-
ادعى
هذا الإجماع ، ولم يسغ تقديمه على الحديث الثابت ، وكذلك الشافعي
. . . ونصوص رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل عند الإمام أحمد وسائر أئمة الحديث
من أن يقدموا عليها توهم إجماع مضمونه عدم العلم بالمخالف ، ولو ساغ لتعطلت النصوص
، وساغ لكل من لم يعلم مخالفا في حكم مسألة أن يقدم جهله بالمخالف على النصوص ( 1
) .
قلت
: وهذا ما فعله البعض هنا ، فقدموا ما زعموه إجماعا على النصوص المتقدمة ، مع أنه
لا إجماع في ذلك ، وبيانه في الوجه التالي :
الثالث
: أنه قد ثبت ما ينقض بالإجماع المزعوم ، وهو ما
روى عبد الرزاق في [ المصنف ) ( 11 /70 /19935 ) ، وابن صاعد في [
حديثه ) ( 35/1 - وهو بخط الحافظ ابن عساكر ) ، وابن حزم ( 10/82 ) ، بسند صحيح عن
محمد بن سيرين أنه سمع أبا هريرة يقول لابنته :
( 1 ) الأعلام : ( 1/32 - 33 )
صفحة
رقم -172-
( لا
تلبسي الذهب إني أخشى عليك اللهب ) .
وروى
ابن عساكر ( 19/124/2 ) من طريقين آخرين أن ابنة لأبي هريرة قالت له : إن الجواري
يعيرنني ، يقلن : إن أباك لا يحليك الذهب فقال :
قولي
لهن : إني أبي لا يحليني الذهب يخشى علي من اللهب .
ورواه
عبد الرزاق ( 19938 ) نحوه ، وعلقه البغوي في [ شرح السنة ) ( 3/ 210 / 82 )
، وحكى الخلاف في هذه المسألة ، فإنه
بعد أن ذكر إباحة خاتم الذهب للنساء وتحليهن به عند الأكثرين قال
:
( وكره
ذلك قوم ) .
ثم
ساق حديث أسماء بنت يزيد المتقدم بعضه في المتن ( ص 236 ) وتمامه في التعليق ( 237
) .
وما حكاه
البغوي رحمه الله من الكراهة عن أولئك الذين أشار إليهم من العلماء ، فهي الكراهة
التحريمية ، لأنه المعروف في اصطلاح السلف تبعا للأسلوب القرآني في عديد من الآيات
الكريمة
صفحة
رقم -173-
كقوله
تعالى : وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان .
وقد كنت
شرحت هذه المسألة الهامة في كتابي : [ تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد ) ( ص
48 - 55 ) ، وذكرت هناك بعض الأمثلة ، فلتراجع .
وبين
أيدينا مثال آخر قريب المنال ، وهو ما تقدم في بحث ( خاتم الخطبة ) أن الإمام أحمد
، والإمام إسحاق بن راهويه كرها خاتم الذهب للرجال ، فهذه الكراهة للتحريم أيضا ،
لتصريح الأحاديث المتقدمة هناك به ، وكذلك الأمر في تحريم خاتم الذهب على النساء
لأن الأدلة صريحة أيضا ، فمن أطلق كراهته عليهن ، فإنما يعني الكراهة الشرعية ،
وهي التحريم ، فتأمل منصفا .
وذكر
ابن عبد الحكم في [ سيرة عمر بن عبد العزيز ) ( ص 163 ) أن ابنة عمر بعثت إليه
بلؤلؤة وقالت له : إن رأيت أن تبعث لي بأخت لها حتى أجعلها في أذني ، فأرسل إليها
ثم قال لها : إن استطعت أن تجعلي هاتين الجمرتين في أذنيك بعثت لك بأخت لها
صفحة
رقم -174-
ومن
الظاهر أن اللؤلؤة كانت محلاة بالذهب ، لأنها لا تقوم بنفسها ، ولا تحلى عادة إلا
بها ، ويؤيد ذلك لفظة : [ الجمرتين ) ، فإنها مستوحاة من بعض أحاديث
التحريم المتقدمة كحديث بنت هبيرة ، فثبت بطلان دعوى الإجماع في هذه المسألة
.
دعوى
نسخ الأحاديث المتقدمة ، وإبطالها
2 - وادعى
آخرون نسخ هذه الأحاديث المحرمة بمثل قوله صلى الله عليه وسلم
: [ أحل
الذهب والحرير لإناث أمتي . . . ) ، وهو حديث صحيح بمجموع طرقه ، وقد ذكرها
الزيعلي في [ نصب الراية ) ( 4/222 - 225 ) ، ثم حققته في تخريج كتاب [
الحلال
والحرام ) للأستاذ القرضاوي ( رقم 78 ) ، وهو ادعاء باطل ، لأن للنسخ شروطا كثيرة
معروفة عند العلماء ( 1 ) منها أن يكون الخطاب الناسخ متراخيا عن المنسوخ ، ومنها
أن لا يمكن الجمع بينهما ، وهذان الشرطان منفيان هنا ، أما الأول فلأنه لا يعلم
تأخر هذا الحديث المبيح عن
( 1 ) انظر مقدمة " الاعتبار "
صفحة
رقم -175-
أحاديث
التحريم ، وأما الثاني فلأن الجمع ممكن بسهولة بين الحديث المذكور وما في معناه ،
وبين الأحاديث المتقدمة ، ذلك لأن الحديث مطلق ، وتلك مقيدة بالذهب الذي هو طوق أو
سوار أو حلقة ، فهذا هو المحرم عليهن ، وما سوى ذلك من الذهب المقطع فهو المباح
لهن ، وهو المراد بحديث حل الذهب لهن ، فهو مطلق مقيد بالأحاديث المشار إليها ،
فلا تعارض وبالتالي فلا نسخ .
ولذلك
لم نر أحدا ممن ألف في الناسخ والمنسوخ أورد الأحاديث المذكورة فيما هو منسوخ ،
كالحافظ أبي الفرج ابن الجوزي في رسالة [ إخبار أهل الرسوخ في الفقه والتحديث
بمقدار المنسوخ في الحديث ) ، والحافظ أبي بكر الحازمي في كتابه [ الاعتبار في
الناسخ والمنسوخ من الآثار ) ، وغيرهما ، بل قد أشار ابن الجوزي رحمه الله في
مقدمة رسالته المشارة إليها إلى رد دعوى نسخ هذه الأحاديث ، فقال
:
( أفردت
في هذا الكتاب قدر ما صح نسخه أو احتمل ، وأعرضت عما لا وجه لنسخه ولا احتمال ،
فمن
صفحة
رقم -176-
سمع
بخبر يدعى عليه النسخ وليس في هذا الكتاب ، فليعلم وهاء تلك الدعوى ، وقد تدبرته
فإذا فيه أحد وعشرون حديثا ) .
بل
قال المحقق ابن القيم في [ الأعلام ) ( 3/458 ) :
( إن
النسخ الواقع في الأحاديث الذي أجمعت عليه الأمة لا يبلغ عشرة أحاديث البتة ، ولا
شطرها )
قلت :
ثم
ساقها ، وليس فيها شيء من هذه الأحاديث السابقة ، فثبت ضعف ادعاء احتمال نسخها ،
فكيف الجزم بنسخها ؟ وقد أشار لضعف دعوى النسخ ابن الأثير في [ النهاية ) ، بقوله
تعليقا على حديث أسماء المشار إليه آنفا :
( قيل
: كان هذا قبل النسخ ، فإنه قد ثبت إباحة الذهب للنساء ) .
فإن
لفظة : [ قيل ) للتمريض كما هو معروف .
وقال
العلامة صدر الدين علي بن علاء الحنفي بعد أن حكى كلام ابن الجوزي الآنف الذكر
:
( وهذا
هو الذي يشهد العقل بصدقه إذا سلم من
صفحة
رقم -177-
الهوى
، وقد ادعى كثير من الفقهاء في كثير من السنة أنها منسوخة ، وذلك إما لعجزه عن
الجمع بينها وبين ما يظن أنه يعارضها ، وإما لعدم علمه ببطلان ذلك المعارض ، وإما
لتصحيح مذهبه ودفع ما يرد عليه من جهة مخالفة ، ولكن نجد غيره قد بين الصواب في
ذلك ، لأن هذا الدين محفوظ ، ولا تجتمع هذه الأمة على ضلالة ( 1
) .
ولقد
صدق رحمه الله في كل ما ذكره ، فأنت ترى أن هذه الأحاديث المحرمة لا تتعارض مطلقا
مع حديث حل الذهب للنساء ، لأنه عام ، وتلك خاصة ، والخاص مقدم على العام كما هو
مقرر في علم الأصول ، ولهذه القاعدة رجح الإمام النووي رضي الله عنه في [ شرح مسلم
) و[ المجموع ) وجوب الوضوء من أكل لحم الإبل ، مع أنه مخالف
لمذهبه ، بل ومذهب الجمهور ، حتى ظن بعض المتعالمين في هذا العصر أنه لا يقول
بالوضوء منه عالم من علماء المسلمين كما نشر ذلك في
( 1 ) كذا في رده على رسالة الشيخ أكمل الدين في انتصاره لمذهب أبي حنيفة ( 103/1
) .
صفحة
رقم -178-
بعض
الجرائد الدمشقية سنة 1386 ه تقريبا .
ولما
ذكرنا قال ولي الله الدهلوي في [ حجة الله البالغة ) ( 2/190 ) بعد أن ذكر أحاديث
التحريم وحديث الحل :
( معناه
الحل في الجملة ، وهذا ما يوجبه مفهوم هذه الأحاديث ، ولم أجد لها معارضا
) .
وأقره
صديق حسن خان في [ الروضة الندية ) ( 2/217 - 218 ) .
قلت :
ومما
يدلك على ضعف دعوى النسخ هذه أن بعض متعصبة الحنفية - وقد سبقت الإشارة إليه - لم
ينظر إليها بعين الرضا ، مع أنه حكاها عن الجمهور الذين يقلدهم في هذه المسألة ،
واحتج على ذلك بقوله - وقد وفق فيه - :
( إن النسخ
لا يلجأ إلى القول به ما دام التوفيق بين الأحاديث ممكنا ، بحيث لا يرد شيء من
الأدلة ) ، وهذا حق لا ريب فيه ، وهو من المقرر في علم الأصول
.
ولكنه
مع الأسف لم يستقر عليه الدكتور ، بل رجع
صفحة
رقم -179-
إلى
ادعاء النسخ معارضا بذلك الأخذ بأحاديث التحريم ، فقال :
( إن
الفريقين لما تجاذبا دعوى النسخ احتجنا إلى النظر في التاريخ للترجيح بين المذهبين
، وتعيين الناسخ والمنسوخ ، والتاريخ يؤيد نظر الجمهور ( ) .
فإنه
لا شك في أن الصحابة في ابتداء الإسلام كانوا في أمس الحاجة للمال
. . . ولقد قسم الأنصار أموالهم مناصفة بينهم وبين المهاجرين ، فكان التختم بالذهب
في تلك الفترة بطرا وترفا ، فلما مضت الأيام ، وفتحت على رسول الله صلى الله عليه
وسلم الفتوحات صار الناس في رخاء العيش فأباح النبي صلى الله عليه وسلم لبس الذهب
لزوال المانع )
قلت
: وجوابي عليه من وجوه :
الأول
: أنه لم يذكر نصا تاريخيا يؤيد تأخر المبيح عن
الحاظر ، يرجح به نظر الجمهور ، وإنما هو مجرد الدعوى أن الإباحة كانت بعد رخاء
العيش ، فأين الدليل عليها ؟
صفحة
رقم -180-
الثاني
: هذه الدعوى لو صحت ، لزم منها أن يكون تحريم الذهب على الرجال قد شرع في الوقت
الذي حرم على النساء ، إن لم يكن تقدم عليه ، وكل عاقل يفهم من قوله : [ في ابتداء
الإسلام ) ، أنه يعني في مكة ، أو
في أول الهجرة على أبعد تقدير ، وإذا كان كذلك ، فنحن نقطع ببطلان هذه الدعوى لأن
تحريم الذهب على الرجال إنما كان في أواخر الأمر ، كما نص على ذلك الحافظ الذهبي
في [ تلخيص المستدرك ) ( 3/231 ) ، ومما يشهد له ما أخرجه البخاري في [ اللباس ) وأحمد في [ المسند
) ( 4/328 ) عن المسور بن مخرمة :
( أن
أباه مخرمة قال له : يا بني إنه بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قدمت عليه
أقبية ، فهو يقسمها ، فاذهب بنا إليه ، فذهبنا إليه . . . فخرج وعليه قباء من
الديباج مزرر بالذهب ، فقال : يا مخرمة هذا خبأته لك ، فأعطاه إياه
) .
وإنما
أسلم مخرمة عام الفتح ، وذلك بعد ثمان سنين ونصف من الهجرة ، فهذا نص على أن الذهب
كان مباحا إلى ما قبل وفاته صلى الله عليه وسلم بسنة ونصف تقريبا ، ولولا ذلك لم
يلبس صلى الله عليه وسلم القباء المزرر بالذهب ، ولا وزعه على أصحابه كما هو ظاهر .
صفحة
رقم -181-
الثالث
: أنه لو صح قوله : [ فأباح النبي صلى الله عليه وسلم لبس الذهب لزوال المانع ) ،
لزم منه إباحة الذهب للرجال أيضا لزوال المانع أيضا وهذا باطل لا يقوله عالم ، وما
لزم منه باطل فهو باطل .
فإن
قال : هذا غير لازم ، لأن علة تحريم الذهب على الرجال ، غير علة تحريمه على النساء
.
قلنا
: ما هيه ؟ ولا سبيل له إلى إثباتها أبدا ، إلا
بمثل هذه الدعوى التي أثبت بها أختها وليست هي إلا مجرد رأي تفرد به الدكتور في
آخر الزمان
وما يلجئ
بعض الناس إلى مثل هذه المضايق والآراء ، إلا محاولتهم التخلص من معارضة النص
الشرعي لمخالفته لمذهبهم ، وتقليدهم ، وعاداتهم ، فيقعون فيما هو أعظم منه ولو
أنهم استسلموا لحكم الله ورسوله - كما هو المفروض في المسلم - لكان خيرا لهم ، ولم
يقعوا في مثل ذلك .
صفحة
رقم -182-
وخلاصة
البحث : أن القول بنسخ الأحاديث المحرمة للذهب على النساء مما لا دليل عليه ، بل
هو مخالف لعلم الأصول ، والواجب الجمع بينها وبين الأحاديث المبيحة للذهب عليهن ،
وذلك بحمل المطلق على المقيد ، أو العام على الخاص ، كما شرحنا ، وينتج منه أن
الذهب كله حلال على النساء ، إلا المحلق منه ، كما يحرم عليهن استعمال أواني الذهب
والفضة اتفاقا ، فلا نسخ عندنا خلافا لما فهمه الدكتور ، وأدار كل بحثه في كتابه
عليه ، كما ينبئك به كلامه السابق في المعارضة المزعومة . والله الهادي ، لا رب
سواه .
رد
الأحاديث المتقدمة بأحاديث مبيحة ، والجواب عنها
3 - وقد
يرد بعضهم هذه الأحاديث بأحاديث أخرى ، فيها إباحة المحلق من الذهب على النساء ،
والجواب أن هذا كان قبل التحريم حتما ، وبيانه :
أن
من المعلوم بداهة أن النهي عن الشيء مما يحتمل التحليل والتحريم لا يكون إلا بعد
أن يكون مسبوقا بالإباحة ، فالتمسك بها حينئذ فيه مخالفة صريحة
صفحة
رقم -183-
لمنطوق
الأحاديث المحرمة ، ومما يقرب هذا إلى المنصفين إن شاء الله تعالى أن هناك أحاديث
يستفاد منها إباحة الذهب على الرجال أيضا ، ومع ذلك فلم يأخذ بها أحد من العلماء ،
لمجيء النصوص المحرمة ، وقد سبق ذكر بعضها ، بل ذهبوا إلى أنها كانت قبل التحريم (
1 ) ، وكذلك نقول نحن في الأحاديث المبيحة للذهب المحلق للنساء ، ولا فرق أنها
كانت قبل التحريم ، ومن فرق بين هذه وتلك ، فهو متناقض أو متلاعب
تقييد
الأحاديث المتقدمة بمن لم يؤد الزكاة ، ورده
4 - وأجاب
بعضهم ( 2 ) بأن الوعيد الوارد في الأحاديث المتقدمة إنما هو في حق من لا يؤدي
زكاة تلك الحلي دون من أداها ، واستدل عليه بحديث عمرو بن
( 1 ) انظر " فتح الباري " ( 10/258 - 259 ) .
( 2 ) هو المنذري في " الترغيب " ، وقلده بعض المدرسين في " كلية
الشريعة " في جامعة دمشق ، الذي سبق بيان خطئه في تضعيف
حديث أبي هريرة المتقدم ، ولم يتعرض البتة للجواب عن جوابنا هذا ، الأمر الذي
زادنا ثقة بقوته ، وإيمانا بصوابه .
صفحة
رقم -184-
شعيب
عن أبيه عن جده أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعها ابنة لها ، وفي
يد ابنتها مسكتان ( أي سواران ) غليظتان من ذهب ، فقال لها : أتعطين زكاة هذا ؟
قالت : لا ، قال : أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين
من نار ؟ قال : فخلعتهما ، فألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وقالت : هما
لله عز ولرسوله .
أخرجه
أبو داود ( 1/244 ) ، والنسائي ( 1/343 ) ، وأبو عبيد في [ الأموال
) ( رقم
1260 ) ، وإسناده حسن ، وصححه ابن الملقن ( 65/1 ) ، وتضعيف ابن الجوزي له في [
التحقيق ) ( 6/197/1 ) ، مردود عليه .
ورواه
النسائي في [ السنن الكبرى ) ( ق 5/1 ) عن عمرو بن شعيب به موصولا ، ثم رواه عنه
مرسلا ، وقال :
( الموصول
أولى بالصواب ) .
والجواب
: إن هذا استدلال ضعيف جدا ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينكر في هذه القصة
لبس السوارين ،
صفحة
رقم -185-
وإنما
أنكر عدم إخراج زكاتهما ، بخلاف الأحاديث المتقدمة ، فإنه أنكر اللبس ، ولم يتعرض
لإيجاب الزكاة عليها ، والظاهر أن هذه القصة كانت في وقت الإباحة ، فكأنه صلى الله
عليه وسلم تدرج لتحريمها ، فأوجب الزكاة عليها أولا ، ثم حرمها ، كما هو صريح
الأحاديث السابقة ، ولا سيما الحديث الأول من رواية أبي هريرة مرفوعا
:
( من
أحب أن يحلق حبيبه بحلقة من نار فليحلقه حلقة من ذهب . . . ) إلخ ، فإنه لا يدل
دلالة قاطعة أن التحريم لنفس التحليق وما قرن معه ، لا لعدم إخراج زكاتها
.
والحق
أن هذه القصة أفادت وجوب الزكاة على الحلي ، ومثلها قصة عائشة الآتية في زكاة
خواتيم الفضة ، فهذه وتلك لا تدل على تحريم الاستعمال ، بل على وجوب زكاة المستعمل
فالتحريم وعكسه يؤخذ من أدلة أخرى ، فأخذنا تحريم الذهب المحلق عليهن الأحاديث
المتقدمة ، وأخذنا إباحة الفضة من حديث أبي هريرة المتقدم ، ومن حديث عائشة المشار
إليها وغيرها .
صفحة
رقم -186-
وجملة
القول أن هذا الحديث لا حجة فيه على ما ذكره المنذري ، لأنه لم ينص فيه على تحريم السوار
، إنما كان لأنه لم يؤد زكاته حتى يمكن أن يقال : إنه مفصل ، وتلك الأحاديث مجملة
، فيحمل المجمل على المفصل ، وإنما هي واقعة عين أفادت وجوب زكاة الحلي ، فلا
يعارض ما أفادته الأحاديث السابقة من التحريم .
تقييد
آخر للأحاديث ، والجواب عنه
5 - وأجاب
هذا البعض أيضا بجواب آخر ( 1 ) فقال : إن الوعيد المذكور إنما هو في حق من تزينت
به وأظهرته ، واستدل بما رواه النسائي وأبو داود عن ربعي بن حراش عن امرأته عن أخت
لحذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( 1 ) وقلده أيضا من أشرنا إليه في التعليق السابق ، دون أن يتعرض للجواب عن ردنا
هذا عليه ، بل إنه أوهم طلابه أن هذا التقييد الوارد في حديث النسائي ، ثابت يحتج
به ، مع أنه قد ضعفه قبل أسطر بالجهالة الآتي ذكرها ، ولكنه لم يسق لفظ الحديث
ليعلم الطالب أنه هو الذي ورد فيه هذا التقييد ، فيعلم عدم ثبوته
ولعل
الدكتور وقع منه ذلك اتفاقا ، ولم يتعمده
صفحة
رقم -187-
( يا
معشر النساء أما لكن في الفضة ما تحلين به ؟ أما إنه ليس منكن امرأة تتحلى ذهبا
تظهره إلا عذبت به ) .
والجواب
من وجهين :
الأول
: رد الحديث من أصله لعدم ثبوته ، فإن في سنده
امرأة ربعي وهي مجهولة كما قال ابن حزم ( 10/83 ) ولذلك ضعفته في [ المشكاة ) (
4403 ) .
ثانيا
: لو
كانت العلة هي الإظهار لكان لا فرق في ذلك بين الذهب والفضة لاشتراكهما في العلة ،
مع أن الحديث صريح في التفريق بينهما ، ولا قائل بحرمة خاتم الفضة على المرأة مع
ظهوره ، فثبت بطلان التمسك بعلة الإظهار . ولهذا قال أبو الحسن السندي
:
( تظهره
) يحتمل أن تكون الكراهة إذا ظهرت وافتخرت به ، لكن الفضة مثل الذهب في ذلك ،
فالظاهر أن هذا لزيادة التقبيح والتوبيخ ، والكلام لإفادة حرمة الذهب ( يعني :
المحلق ) على ا لنساء ، مع قطع النظر عن الإظهار والافتخار
) .
صفحة
رقم -188-
وهذا
كله يقال على افتراض صحة الحديث ، وإلا فقد عرفت ضعفه ، فسقط الاستدلال به أصلا
.
رد
الأحاديث بفعل عائشة ، والجواب عنه
6 - ومن
أعجب ما ردت به هذه الأحاديث الصحيحة قول بعض متعصبة الحنفية
:
( إن
عائشة رضي الله عنها كانت تلبس الخواتيم من الذهب ، كما رآها ابن أختها القاسم بن
محمد وحدث بذلك ، وهذا الخبر عن عائشة رواه البخاري في صحيحه
) .
وأقول
: إطلاق عزو هذا الأثر للبخاري فيه نظر ، لأن المعروف عند العلماء أن العزو إلى
البخاري مطلقا معناه أنه في [ صحيحه ) مسند ، وليس كذلك أمر هذا الأثر ، فإنه إنما
ذكره معلقا بدون إسناد وذكر الحافظ في [ الفتح ) ( 10/271 ) أنه وصله ابن سعد في [
الطبقات ) . وسكت عن سنده ، وهو عندي حسن ، فقال ابن سعد ( 8/48 ) : أخبرنا عبد
الله بن مسلمة بن قعنب : حدثنا عبد العزيز بن محمد عن عمرو بن أبي
صفحة
رقم -189-
عمرو
قال : سألت القاسم بن محمد قلت : إن ناسا يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
نهى عن الأحمرين : المعصفر والذهب ، فقال : كذبوا والله ، لقد رأيت عائشة تلبس
المعصفرات ، وتلبس خواتم الذهب .
لكن
رواه غير عبد العزيز بلفظ : كانت تلبس الأحمرين : المذهب ( 1 ) والمعصفر ) . أخرجه
ابن سعد أيضا : وأخبرنا أبو بكر بن عبد الله بن ابي أويس عن سلميان بن بلال عن عمرو
به ، وهذا الإسناد أصح ، لأن سليمان هذا أحفظ من عبد العزيز . فإن ثبت ذكر الخاتم
في هذا الأثر عن عائشة فالجواب ما سيأتي ، وإلا فلا حجة فيه مطلقا ، لأن الرواية
الأخرى - وهي الأصح - لا ذكر للخاتم فيها ، فهو على هذا مثل حديثها الآخر من طريق
القاسم أيضا أن عائشة كانت تحلي بنات أختها الذهب ثم لا تزكيه . رواه أحمد في
مسائل عبد الله ( ص 145 ) ، وسنده صحيح ، فهذا محمول على الذهب
( 1 ) أي : المموه بالذهب ، بمعنى المطلي به ، و" المعصفر " هو الثوب
المصبوغ بالعصفر
صفحة
رقم -190-
المقطع
، وهو جائز لهن اتفاقا .
ثم
قال ذاك المذكور :
( لا
يتصور أن تلبس عائشة رضي الله عنها الذهب الملحق ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم
كل يوم معها وفي بيتها ، ثم لا ينهاها عنه ) .
قلت
: هذه مغالطة ظاهرة_ولعلها غير مقصودة - إذ ليس في الأثر المتقدم أن عائشة لبسته على
علم منه صلى الله عليه وسلم ، بل فيه أن القاسم بن محمد رآها تلبسه ، فمعنى ذلك أن
لبسها إياه إنما كان بعد وفاته صلى الله عليه وسلم ، لأن القاسم لم يدركه صلى الله
عليه وسلم .
ثم
قال عطفا على ما سبق :
( أو
ينهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يبلغها ؟ فهذا مستحيل قطعا
) .
قلت :
لا
استحالة في ذلك إلا نظرا ، وهذا ليس يهمنا ، لأن الواقع خلافه ، فكم من سنن فعلية
، وأقوال نبوية خفيت على كبار الصحابة رضي الله عنهم ، ولولا صحة السند بذلك عنهم
، لقلنا كما قال المومأ إليه
صفحة
رقم -191-
هاهنا
، ولا يتحمل هذا التعليق الإكثار من أمثلة ذلك ، فلنقتصر على مثالين منها
:
1 - أن
عائشة ترى أن الأقراء إنما هي الأطهار ، كما قال أحمد في [ المسائل
) ( 185 ) ، وروى مالك في [ الموطأ
) ( 2/96 ) بسند صحيح جدا عنها أنها قالت :
( تدرون
ما الأقراء ؟ إنما الأقراء الأطهار ) .
ونحوه
في مسائل الإمام أحمد لابنه عبد الله ( ص 231 ) .
أقول
: وقد ثبت في السنة أن القرء إنما هو الحيض ، وبه
قال الحنفية ، والرجل منهم ، فهل يرد حضرته مذهبه ، ولا سيما أنه موافق للسنة من
أجل قول عائشة هذا ؟ أم يجعل قولها دليلا على نسخ ذلك كما فعل في مسألتنا هذه ؟
2 - قالت
عائشة رضي الله عنها : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى في يدي فتخات من ورق
، فقال : ما هذا يا عائشة ؟ فقلت : صنعتهن أتزين لك يا رسول الله قال : أتؤدين
زكاتهن ؟ قلت : لا ، أو ما شاء الله ، قال : هو حسبك من النار
صفحة
رقم -192-
أخرجه
أبو داود ( 1/244 ) وغيره ، وإسناده على شرط الصحيح كما قال الحافظ في [ التخليص )
( 6/19 ) ، ومحمد بن عطاء الذي في إسناده هو محمد بن عمرو بن عطاء ثقة محتج به في
[ الصحيحين ) كما في [ الترغيب ) ، وظنه ابن الجوزي في [ التحقيق ) ( 1/198/1 )
رجلا آخر فجهله ، وضعف الحديث من أجل ذلك ، فلا يلتفت إليه
.
فهذا
الحديث صريح في إيجاب الزكاة على الحلي ، وهو حجة الذين ذهبوا إلى إيجابه ، ومنهم
الحنفية .
ثم إنه
قد ورد عن عائشة نفسها ما يعارض هذا الحديث ، وهو ما أخرجه مالك
( 1/245 ) عن القاسم ابن محمد ( راوي حديث الخاتم ) أن عائشة كانت تل بنات أخيها
يتامى في حجرها لهن الحلي ، فلا تخرج من حليهن الزكاة . سنده صحيح جدا ، وتقدم
نحوه من رواية أحمد
صفحة
رقم -193-
فهذه
مخالفة صريحة عن عائشة رضي الله عنها لحديثها ( 1 ) فإذا جاز في حقها ذلك ،
فبالأحرى أن تخالف حديث غيرها ، لم تروه هي ، وهي على كل حال مأجورة ، فماذا يقول المشار
إليه في هذه المخالفة ؟ أيدع الحديث والمذهب لقولها ، أم يتمسك بالحديث ويدع قولها
معتذرا عنها بأي عذر مقبول كما هو الواجب ؟
وعلى
كل حال فقد ظهر لكل من له قلب أن ما كان يظنه مما [ لا يتصور ) أو أنه
[ مستحيل
قطعا ) قد أثبتناه بالأسانيد الصحيحة ، ولازم ذلك أن لا يتلفت المسلم إلى أي قول
يخالف ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم ، مهما كان شأن قائله فضلا وعلما وصلاحا
لانتفاء العصمة ، وهذا من الأسباب التي تشجعنا على الاستمرار في خطتنا من التمسك
بالكتاب والسنة ، وعدم الاعتداد بما سواهما ،
( 1 ) وألفت النظر إلى أن من مذهبها إخراج الزكاة عن مال الأيتام ، انظر "
الموطأ " ، و" الأموال " ، و" مسائل الإمام أحمد " لابنه
عبد الله . وروى ابن أبي شيبة في " المصنف " عن
القاسم قال : كان مالنا عند عائشة ، فكانت تزكيه ، إلا الحلي ، وسنده صحيح أيضا
صفحة
رقم -194-
كما
صنعنا في هذه المسألة التي أسأل الله تعالى أن يوفق المسلمين للعمل بها ، وبكل ما
ثبت عنه صلى الله عليه وسلم .
ترك
الأحاديث لعدم العلم بها بمن عمل بها ، وجوابه
6 - هذا
، ولعل فيمن ينصر السنة ويعمل بها ويدعو إليها من يتوقف عن العمل بهذه الأحاديث
بعذر أنه لا يعلم أحدا من السلف قال بها ، فليعلم هؤلاء الأحبة أن هذا العذر قد
يكون مقبولا في بعض المسائل التي يكون طريق تقريرها إنما هو الاستنباط والاجتهاد
فحسب ، لأن النفس حينئذ لا تطمئن لها خشية أن يكون الاستنباط خطأ ، ولا سيما إذا
كان المستنبط من هؤلاء المتأخرين الذين يقررون أمورا لم يقل بها أحد من المسلمين
بدعوى أن المصلحة تقتضي تشريعها ، دون أن ينظروا إلى موافقتها لنصوص الشرع أولا ،
مثل إباحة بعضهم للربا الذي سماه ب ( الربا الاستهلاكي ) واليانصيب الخيري - زعموا
- ونحوهما أما ومسألتنا ليست من هذا القبيل ، فإن فيها نصوصا صريحة محكمة لم يأت
ما ينسخها - كما سبق بيانه - فلا يجوز ترك العمل بها للعذر المذكور ، ولا سيما أننا
قد ذكرنا من قال بها مثل
صفحة
رقم -195-
أبي
هريرة رضي الله عنه ، وولي الله الدهلوي وغيرهما كما تقدم ، ولا بد أن يكون هناك
غير هؤلاء ممن عمل بهذه الأحاديث لم نعرفهم لأن الله تعالى لم يتعهد لنا بحفظ أسماء
كل من عمل بنص ما من كتاب أو سنة ، وإنما تعهد بحفظهما فقط كما قال
: إنا
نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ، فوجب العمل بالنص سوءا علمنا من قال به أو لم
نعلم ، ما دام لم يثبت نسخه كما هو الشأن في مسألتنا هذه .
وأختم
هذا البحث بكلمة طيبة للعلامة المحقق ابن القيم رحمه الله تعالى لها مساس كبير بما
نحن فيه ، قال : في [ إعلام الموقعين ) ( 3/464 - 465 ) :
( وقد
كان السلف الطيب يشتد نكيرهم وغضبهم على من عارض حديث رسول الله صلى الله عليه
وسلم برأي أو قياس أو استحسان أو قول أحد من الناس كائنا من كان ، ويهجرون فاعل
ذلك ، وينكرون على من يضرب له الأمثال ، ولا يسوغون غير الانقياد له صلى الله عليه
وسلم ، والتسليم والتلقي بالسمع والطاعة ، ولا يخطر بقلوبهم التوقف في قبوله حتى
يشهد له عمل أو قياس ، أو يوافق قول فلان وفلان ،
صفحة
رقم -196-
بل
كانوا عاملين بقوله تعالى : وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن
يكون لهم الخيرة من أمرهم ، وبقوله تعالى : فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما
شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ، وبقوله تعالى :
اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون ،
وأمثالها ، فدفعنا إلى زمان إذا قيل لأحدهم : ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
قال كذا وكذا ، يقول : من قال هذا ؟ دفعا في صدر الحديث ، ويجعل جهله بالقائل حجة
له في مخالفته وترك العمل به ، ولو نصح نفسه لعلم أن هذا الكلام من أعظم الباطل ،
وأنه لا يحل له دفع سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل هذا الجهل ، وأقبح من
ذلك عذره في جهله ، إذ يعتقد أن الإجماع منعقد على مخالفة تلك السنة ، وهذا سوء ظن
بجماعة المسلمين إذ ينسبهم إلى اتفاقهم على مخالفة سنة رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، وأقبح من ذلك عذره في دعوى هذا الإجماع ، وهو جهله وعدم علمه بمن قال بالحديث
، فعاد الأمر إلى تقديم جهله على السنة . والله المستعان )
صفحة
رقم -197-
40 - وجوب
إحسان عشرة الزوجة :
ويجب
عليه أن يحسن عشرتها ، ويسايرها فيما أحل الله لها - لا فيما حرم - ، ولا سيما إذا
كانت حديثة السن ، وفي ذلك أحاديث :
الأول
: قوله صلى الله عليه وسلم :
( خيركم
خيركم لأهله ، وأنا خيركم لأهلي ( 1 )
الثاني
: قوله صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع :
( 1 ) رواه الطحاوي في " المشكل " من حديث ابن عباس ، وروى منه الشطر
الأول الحاكم ، وقال :
" صحيح الإسناد " . ووافقه الذهبي .
وله شاهد
من حديث عائشة ، أخرجه أبو نعيم في " الحلية " ، وهو عند الدارمي ، إلا
انه قال : " وإذا مات صاحبكم فدعوه " ، بدل قوله : " وأنا خيركم
لأهلي " ، وسنده صحيح على شرط
البخاري .
وله
شاهد آخر ، رواه الخطيب في " التاريخ " من حديث أبي هريرة ، وللترمذي
وأحمد الشطر الأول منه نحوه ، وسنده حسن
صفحة
رقم -198-
تملكون
منهن شيئا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ( 1 ) ، فإن فعلن فاهجروهن في
المضاجع ، واضربوهن ضربا غير مبرح ، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا
. إلا
إن لكم على نسائكم حقا ، ولنسائكم عليكم حقا ، فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن
فرشكم من تكروهن ، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون ، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا
إليهن في كسوتهن وطعامهن ( 2 )
( 1 ) أي : ظاهرة ، وفي " النهاية " :
" وكل خصلة قبيحة ، فهي فاحشة من الأقوال والأفعال " .
ولذا
قال السندي في حاشيته :
" والمراد : النشوز وشكاسة الخلق ، وإيذاء الزوج وأهله باللسان واليد ، لا الزنا
، إذ لا يناسب قوله ( ضربا غير مبرح ) ، وهذا هو الملائم لقوله تعالى :
{واللاتي
تخافون نشوزهن} الآية ، فالحديث على هذا كالتفسير لها ، فإن المراد بالضرب فيها هو
الضرب المتوسط لا الشديد ) .
( 2 ) أخرجه الترمذي ، وقال : " حديث حسن صحيح " ، وابن ماجه من حديث
عمرو بن الأحوص رضي الله عنه ، وصححه ابن القيم في " الزاد
" .
وله
شاهد من حديث عم أبي حرة الرقاشي ، أخرجه أحمد في " المسند " ، وقد
خرجته في " الإرواء " .
واستوصوا
بالنساء خيرا ، فإنهن عوان عندكم ، ليس
الثالث
: قوله صلى الله عليه وسلم :
( لا
يفرك ( أي لا يبغض ) مؤمن مؤمنة ، إن كره منها خلقا رضي منها آخر ( 1
) .
الرابع
: قوله صلى الله عليه وسلم :
( أكمل
المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا ، وخيارهم خيارهم لنسائهم ( 2
) .
( 1 ) أخرجه مسلم ، وغيره من حديث أبي هريرة .
( 2 ) أخرجه الترمذي ، وأحمد ، وأبو الحسن الطوسي في " مختصره " ،
وحسنه ، وقال الترمذي :
" حديث حسن صحيح " .
قلت :
وهو
حسن الإسناد عن أبي هريرة ، وشطره الأول صحيح جاء من طرق صحيحة عنه صلى الله عليه
وسلم ، وقد خرجته في " سلسلة الأحاديث الصحيحة " طبع المكتب الإسلامي
.
199
صفحة
رقم -200-
الخامس
: عن عائشة رضي الله عنها قالت :
( دعاني
رسول الله صلى الله عليه وسلم [ والحبشة يلعبون بحرابهم في المسجد
] ، [ في يوم عيد ] ، فقال لي : [ يا حميراء ( 1 )
أتحبين أن تنظري إليهم ؟ فقلت : نعم ] ( 2 )
( 1 ) تصغير الحمراء ، يريد البياض ، كذا في " النهاية
" .
( 2 ) هذه الزيادة رواها النسائي في " عشرة النساء " ، وقال الحافظ في
" الفتح " :
" إسناده صحيح ، ولم أر في حديث صحيح ذكر الحميراء إلا في هذا
صفحة
رقم -201-
( فأقامني
وراءه ] ، فطأطأ لي منكبيه لأنظر إليهم ، [ فوضعت ذقني على عاتقه ، وأسندت وجهي
إلى خده ] ، فنظرت من فوق منكبيه ( وفي رواية : من بين أذنه وعاتقه ) [ وهو يقول :
دونكم يا بني أرفدة ] فجعل يقول : يا عائشة ما شبعت فأقول : لا ، لأنظر منزلتي
عنده ] حتى شبعت .
صفحة
رقم -202-
( قالت
: ومن قولهم يومئذ : أبا القاسم طيبا ] وفي رواية : [ حتى إذا مللت ، قال : حسبك ؟
قلت نعم ، قال : فاذهبي ) ، وفي أخرى : [ قلت : لا تعجل ، فقام لي ، ثم قال : حسبك
؟ قلت : لا تعجل ، [ ولقد رأيته يرواح بين قدميه ] ، قالت : ما بي حب النظر إليهم ، ولكن أحببت أن يبلغ النساء مقامه لي
، ومكاني منه [ وأنا جارية ] ، [ فاقدروا قدر الجارية [ العربة ] الحديثة السن ،
الحريصة على اللهو ] ، [ قالت : فطلع عمر ، فتفرق الناس عنها والصبيان ، فقال
النبي صلى الله عليه وسلم : رأيت شياطين الإنس والجن فروا من عمر ] ، [ قالت عائشة
: قال صلى الله عليه وسلم يومئذ : لتعلم يهود أن في ديننا فسحة ] ) . ( 1
)
( 1 ) أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وغيرهم .
صفحة
رقم -203-
السادس
: عنها أيضا قالت :
( قدم
رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أو خيبر ، وفي سهوتها ستر ، فهبت ريح ،
فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة لعب ، فقال : ما هذا عائشة ؟ قالت : بناتي ،
ورأى بينهن فرسا له جناحان من رقاع ، فقال : ما هذا الذي أرى وسطهن ؟ قالت : فرس ،
قال : وما هذا الذي عليه ؟ قال : جناحان ، قال : فرس له جناحان ؟ قالت : أما سمعت أن لسليمان
خيلا لها أجنحة ؟ قالت : فضحك حتى رأيت نواجذه ( 1 ) .
( 1 ) أبو داود في " سننه " والنسائي بسند صحيح
.
صفحة
رقم -204-
السابع
: عنها أيضا :
( أنها
كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفره ، وهي جارية [ قالت
: لم
أحمل اللحم ، ولم أبدن ( 1 ) ] ، فقال لأصحابه : تقدموا ، [ فتقدموا
] ، ثم قال : تعالي أسابقك ، فسابقته ،
فسبقته على رجلي ، فلما كان بعد ، خرجت معه في سفر ، فقال لأصحابه : تقدموا ، ثم
قال : تعالي أسابقك ، ونسيت الذي كان ، وقد حملت اللحم ، [ وبدنت ] ، فقلت : كيف
أسابقك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا على هذه الحال ؟ فقال : لتفعلن ،
فسابقته ، فسبقني ، ف [ جعل يضحك ، و] قال : هذه بتلك السبقة ( 2
) .
( 1 ) بدن وبدن ، فبالتشديد بمعنى كبر واسن ، وبالتخفيف من البدانة ، وهي كثرة
اللحم والسمنة ، وهذا المعنى هو الأليق بالسياق ، انظر " النهاية
" .
( 2 ) أخرجه الحميدي في مسنده وأبو داود والنسائي والطبراني وابن ماجه مختصرا
وسنده صحيح كما قال العراقي في " تخريج الإحياء " .
صفحة
رقم -205-
الثامن
: عنها أيضا قالت :
( إن
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليؤتى بالإناء ، فأشرب منه وأنا حائض ، ثم يأخذه
فيضع فاه على موضع في ، وإن كنت لآخذ العرق فآكل منه ، ثم يأخذه فيضع فاه على موضع
في ( 1 ) .
التاسع
: عن جابر بن عبد الله ، وجابر بن عمير ، قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
:
( كل
شيء ليس فيه ذكر الله ، فهو [ لغو ] وسهو ولعب ، إلا أربع [ خصال
] : ملاعبة
الرجل امرأته ، وتأديب الرجل فرسه ، ومشيه بين الغرضين ( 2
) ، وتعليم الرجل السباحة ( 3
)
( 1 ) أخرجه مسلم وأحمد وغيرهما .
( 2 ) تثنية " غرض " وهو الهدف .
( 3 ) أخرجه النسائي والطبراني وأبو نعيم بإسناد صحيح .
صفحة
رقم -206-
41 - وصايا
إلى الزوجين :
وختاما
أوصي الزوجين :
أولا
: أن يتطاوعا ويتناصحا بطاعة الله تبارك وتعالى ،
واتباع أحكامه الثابتة في الكتاب والسنة ، ولا يقدما عليها تقليدا أو عادة غلبت
على الناس ، أو مذهبا فقد قال عز وجل : وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله
ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا
[ الأحزاب
: 36 ] .
ثانيا
: أن يلتزم كل واحد منهما القيام بما فرض الله عليه من الواجبات والحقوق تجاه
الآخر ، فلا تطلب الزوجة - مثلا - أن تساوي الرجل في جميع حقوقه ، ولا يستغل الرجل
ما فضله الله تعالى به عليها من السيادة
صفحة
رقم -207-
والرياسة
فيظلمها ، ويضربها بدون حق ، فقد قال الله عز وجل :
ولهن
مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم [ البقرة : 228 ] ،
وقال :
الرجال
قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات
قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن ( 1
) فعظوهن
واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ( 2 )
إن
الله كان عليا كبيرا [ النساء : 34 ] .
( 1 ) أي : خروجهن عن الطاعنة ، قال ابن كثير :
" والنشوز هو الارتفاع ، فالمرأة الناشز هي المرتفعة على زوجها ، التاركة
لأمره ، المعرضة عنه " .
( 2 ) أي : إذا أطاعت المرأة زوجها في جميع ما يريده منها مما أباحه الله له منها
، فلا سبيل له عليها بعد ذلك ، وليس له ضربها ولا هجرانها ، وقوله
: {إن
الله كان عليا كبيرا} ، تهديد للرجال إذا بغوا على النساء من غير سبب ، فإن الله
العلي الكبير وليهن ، وهو منتقم ممن ظلمهن وبغى عليهن . كذا في
" تفسير ابن كثير " .
صفحة
رقم -208-
وقد
قال معاوية بن حيدة رضي الله عنه : يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه ؟ قال : أن
تطعمها إذا طعمت ، وتكسوها إذا اكتسيت ، ولا تقبح الوجه ( 1 ) ، ولا تضرب ، [ ولا
تهجر إلا في البيت ( 2 ) ، كيف وقد أفضى بعضكم إلى بعض ( 3 ) إلا بما حل عليهن ] (
4 )
وقال
صلى الله عليه وسلم :
( المسقطون
يوم القيامة على منابر من نور على يمين الرحمن - وكلتا يديه يمين - الذين يعدلون
في
( 1 ) أي : لا تقل : قبح الله وجهك . وقوله : " ولا تضرب " يعني :
الوجه ، وإنما يضرب عند اللزوم في غير الوجه .
( 2 ) أي : لا تهجرها إلا في المضجع ، ولا تتحول عنها ، أو تحولها إلى دار أخرى ،
كذا في " شرح السنة " .
( 3 ) يعني الجماع . وقوله : " إلا بما هو حل عليهن " ، يعني من الضرب
والهجر بسبب نشوزهن ، كما هو صريح الآية المتقدمة .
( 4 ) رواه أبو داود والحاكم وأحمد والزيادة له بسند حسن . وقال الحاكم
:
" صحيح " . ووافقه الذهبي .
صفحة
رقم -209-
حكمهم
وأهليهم وما ولوا ( 1 ) .
فإذا
هما عرفا ذلك وعملا به ، أحياهما الله تبارك وتعالى حياة طيبة ، وعاشا
- ما
عاشا معا - في هناء وسعادة ، فقد قال عز وجل : من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو
مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون
[ النحل
: 97 ] .
ثالثا
: وعلى المرأة بصورة خاصة أن تطيع زوجها فيما يأمرها به في حدود استطاعتها ، فإن
هذا مما فضل الله به الرجال على النساء كما في الآيتين السابقتين : الرجال قوامون
على النساء ، وللرجال عليهن درجة ، وقد جاءت أحاديث كثيرة صحيحة مؤكدة لهذا المعنى
، ومبينة بوضوح ما للمرأة ، وما عليها إذا هي أطاعت زوجها أو عصته ، فلا بد من
إيراد بعضها ، لعل
( 1 ) رواه مسلم وابن منده وقال : " حديث صحيح " .
صفحة
رقم -210-
فيها
تذكيرا لنساء زماننا ، فقد قال تعالى : وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين
.
الحديث
الأول : [ لا يحل لأمرأة أن تصوم ( وفي رواية : لا تصم المرأة ) وزوجها شاهد ( 1 )
إلا بإذنه [ غير رمضان ] ، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه ( 2
)
( 1 ) أي : حاضر مقيم في البلد ، قال النووي في " شرح مسلم " ، تحت
الرواية الثانية :
" وهذا النهي للتحريم ، صرح به أصحابنا " .
قلت
: وهو قول الجمهور كما في " الفتح " ، ويؤيده الرواية الأولى ، ثم قال
النووي :
" وسببه أن الزوج له حق الاستمتاع بها في كل الأيام ، وحقه فيه واجب على
الفور ، فلا يفوته بتطوع ، ولا بواجب على التراخي " .
قلت :
فإذا
وجب على المرأة أن تطيع زوجها في قضاء شهوته منها ، فبالأولى أن يجب عليها إطاعته
فيما هو أهم من ذلك مما فيه تربية أولادها ، وصلاح أسرتهما ، ونحو ذلك من الحقوق
والواجبات ، وقال الحافظ في " الفتح " :
" وفي الحديث أن حق الزوج آكد عكلى المرأة من التطوع بالخير ، لأن حقه واجب ،
والقيام بالواجب مقدم على القيام بالتطوع " .
( 2 ) أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما .
صفحة
رقم -211-
الثاني
: [ إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه ( 1 ) فلم تأته ، فبات غضبان عليها ، لعنتها
الملائكة حتى تصبح ، ( وفي رواية : أو حتى ترجع ، وفي أخرى
: حتى
يرضى عنها ( 2 ) .
الثالث
: [ والذي نفسي محمد بيده ، لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها ، ولو سألها
نفسها وهي على قتب ( 3 ) لم تمنعه من [ نفسها ] ( 4 )
( 1 ) كناية عن الجماع ، ويقويه قوله صلى الله عليه وسلم : " الولد للفراش
" ، أي : لمن يطأ في الفراش ، والكناية عن الأشياء التي يستحيى منها كثيرة في
القرآن والسنة . قاله ابن أبي جمرة كما في " الفتح " .
( 2 ) رواه البخاري ومسلم والرواية الأخرى له في رواية وأبو داود وغيرهم
.
( 3 ) أي : رحل ، في " اللسان " : " القتب " و" القتب
" : إكاف البعير . وفي " الصحاح " : رحل صغير على قدر السنام ، وفي
" النهاية " :
" القتب للجمل كالإكاف لغيره ، ومعناه الحث لهن على مطاوعة أزواجهن ، وأنه لا
يسعهن الامتناع في هذه الحال ، فكيف في غيرها ؟ " .
( 4 ) حديث صحيح . رواه ابن ماجه وغيره .
صفحة
رقم -212-
الرابع
: [ لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين
: لا
تؤذيه قاتلك الله ، فإنما هو عندك دخيل ( 1 ) يوشك أن يفارقك إلينا ( 2 )
.
( 1 ) في " النهاية " : " الدخيل : الضيف والنزيل
" .
( 2 ) رواه الترمذي وابن ماجه .
صفحة
رقم -213-
الخامس
: عن حصين بن محصن قال : حدثتني عمتي قالت :
( أتيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الحاجة ، فقال : أي هذه أذات بعل ؟ قلت : نعم
، قال : كيف أنت له ؟ قالت : ما آلوه ( 1 ) : [ أي لا أقصر في طاعته وخدمته ] إلا
ما عجزت عنه ، قال : [ فانظري ] أين أنت منه ؟ فإنما هو جنتك ونارك ( 2
)
( 1 ) أي : لا أقصر في طاعته وخدمته .
( 2 ) رواه ابن أبي شيبة ، وابن سعد والنسائي في " عشرة النساء " ،
وأحمد ، والطبراني في " الأوسط " من " زوائده " وإسناده صحيح
كما قال الحاكم . . .
صفحة
رقم -214-
السادس
: إذا صلت المرأة خمسها ، وحصنت فرجها ، وأطاعت بعلها ، دخلت من أي أبواب الجنة
شاءت ( 1 ) .
وجوب
خدمة المرأة لزوجها
قلت :
وبعض
الأحاديث المذكورة آنفا ظاهرة الدلالة على وجوب طاعة الزوجة لزوجها وخدمتها إياه
في حدود استطاعتها ، ومما لا شك فيها أن من أول ما يدخل في ذلك الخدمة في منزله ،
وما يتعلق به من تربية أولاده ونحو ذلك ، وقد اختلف العلماء في هذا ، فقال شيخ
الإسلام ابن تيمية في [ الفتاوى ) ( 2/234 - 235 ) :
( 1 ) حديث حسن أو صحيح له طرق فرواه الطبراني في الأوسط وكذا ابن حبان في صحيحه
من حديث أبي هريرة . . .
صفحة
رقم -215-
( وتنازع
العلماء ، هل عليها أن تخدمه في مثل فراش المنزل ، ومناولة الطعام والشراب ،
والخبز والطحن والطعام لممالكيه وبهائمه ، مثل علف دابته ونحو ذلك ؟ فمنهم من قال
:
لا
تجب الخدمة . وهذا القول ضعيف ، كضعف قول من قال : لا تجب عليه العشرة والوطء فإن
هذا ليس معاشرة له بالمعروف ، بل الصاحب في السفر الذي هو نظير الإنسان وصاحبه في
المسكن إن لم يعاونه على مصلحته لم يكن قد عاشره بالمعروف
.
وقيل
- وهو الصواب - : وجوب الخدمة ، فإن الزوج سيدها في كتاب الله ، وهي عانية عنده
بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كما تقدم ص 270 ) ، وعلى العاني والعبد
الخدمة ، ولأن ذلك هو المعروف .
ثم
من هؤلاء من قال : تجب الخدمة اليسيرة ، ومنهم من قال : تجب الخدمة بالمعروف . وهذا هو الصواب ، فعليها
أن تخدمه الخدمة المعروفة من مثلها
صفحة
رقم -216-
لمثله
، ويتنوع ذلك بتنوع الأحوال ، فخدمة البدوية ليست كخدمة القوية ، وخدمة القوية
ليست كخدمة الضعيفة ) .
قلت :
وهذا
هو الحق إن شاء الله تعالى أنه يجب على المرأة خدمة البيت ، وهو قول مالك وأصبغ
كما في [ الفتح ) ( 9/418 ) ، وأبي بكر بن أبي شيبة ، وكذا الجوزجاني من الحنابلة
كما في [ الاختيارات ) ( ص 145 ) ، وطائفة من السلف والخلف ، كما في [ الزاد ) (
4/46 ) ، ولم نجد لمن قال بعدم الوجوب دليلا صالحا .
وقول
بعضهم : [ إن عقد النكاح إنما اقتضى الاستمتاع لا الاستخدام ، مردود بأن الاستمتاع
حاصل للمرأة أيضا بزوجها ، فهما متساويان في هذه الناحية ، ومن المعلوم أن الله
تبارك وتعالى قد أوجب على الزوج شيئا آخر لزوجته ، ألا وهو نفقتها وكسوتها ومسكنها
، فالعدل يقتضي أن يجب عليها مقابل ذلك شيء آخر أيضا لزوجها ، وما هو إلا خدمتها
إياه ، ولا سيما أنه القوام عليها بنص القرآن الكريم كما سبق ، وإذا لم تقم هي
صفحة
رقم -217-
بالخدمة
فسيضطر هو إلى خدمتها في بيتها ، وهذا يجعلها هي القوامة عليه ، وهو عكس للآية
القرآنية كما لا يخفى ، فثبت أنه لا بد لها من خدمته ، وهذا هو المراد
.
وأيضا
فإن قيام الرجل بالخدمة يؤدي إلى أمرين متباينين تمام التباين أن ينشغل الرجل
بالخدمة عن السعي وراء الرزق وغير ذلك من المصالح ، وتبقى المرأة في بيتها عطلا عن
أي عمل يجب عليها القيام به ، ولا يخفى فساد هذا في الشريعة التي سوت بين الزوجين
في الحقوق ، بل وفضلت الرجل عليها درجة ، ولهذا لم يزل الرسول صلى الله عليه وسلم
شكوى ابنته فاطمة عليها السلام حينما :
( أتت
النبي صلى الله عليه وسلم تشكو إليه ما تلقى في يدها من الرحى ، وبلغها أنه جاءه
رقيق ، فلم تصادفه ، فذكرت لعائشة ، فلما جاء ، أخبرته عائشة ، قال علي رضي الله
عنه : فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا ، فذهبنا نقوم ، فقال : على مكانكما ، فجاء ، فقعد
بيني وبينها حتى وجدت برد قدميه على بطني ، فقال : ألا أدلكما على خير مما سألتما
؟ إذا أخذتما مضاجعكما ، أو أويتما إلى فراشكما ، فسبحا ثلاثا وثلاثين ، واحمدا
ثلاثا صفحة
رقم -218- ثلاثين
، وكبرا أربعا وثلاثين ، فهو خير لكما من خادم [ قال علي : فما تركتها بعد ، قيل :
ولا ليلة صفين ؟ قال : ولا ليلة صفين ] رواه
البخاري ( 9/417 - 418 ) .
فأنت
ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل لعلي : لا خدمة عليها ، وإنما هي عليك ،
وهو صلى الله عليه وسلم لا يحابي في الحكم أحدا كما قال ابن القيم رضي الله عنه ،
ومن شاء زيادة البحث في هذه المسألة فليرجع إلى كتابه القيم [
زاد
المعاد ) ( 4/45 - 46 ) هذا
وليس فيما سبق من وجوب خدمة المرأة لزوجها ما ينافي استحباب مشاركة الرجل لها في
ذلك ، إذا وجد الفراغ والوقت ، بل هذا من حسن المعاشرة بين الزوجين ، ولذلك قالت
السيدة عائشة رضي الله عنها :
( كان
صلى الله عليه وسلم يكون في مهنة أهله ، يعني خدمة أهله ، فإذا حضرت الصلاة خرج
إلى الصلاة )رواه
البخاري ( 2/129 و9/418 ) ، والترمذي ( 3/314 ) ، وصححه ، والمخلص من الثالث من السادس
من [ المخلّصيات ) ( 66/1 ) ، وابن سعد ( 1/366 ) . ورواه في [ الشمائل ) ( 2/185
) من طريق أخرى عنها بلفظ :
( كان
بشراً من البشر يفلي ثوبه ، ويحلب شاته ، ويخدم نفسه ورجاله رجال الصحيح ، وفي
بعضهم ضعف ( 1 ) . لكن رواه أحمد وأبو بكر الشافعي بسند قوي كما حققته في [ سلسلة
الأحاديث الصحيحة ) ( رقم 670 ) ، والله ولي التوفيق .
وهذا
آخر ما وفقنا الله تبارك وتعالى لذكره من آداب الزفاف في هذه الرسالة . و[ سبحانك
اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك
) .
( 1 ) قلت : ولذلك ضعفه المعلق على شرح السنة 13/243/3676 وفاته الوقوف على الطريق القوية التي يأتي
الإشارة إليها قريباً . وراجع إن شئت كتابي " مختصر الشمائل " رقم 293
للمؤلف ...........
يراعي ان الفقهاء لم يفرقوا بين شريعة الطلاق السابق تنزيلها في سورة البقرة 2هــ وتلك التي نزلت بعدها ناسخة لجلها في سورة الطلاق 5 هــ ولا يمكن الاستدلال بشريعة منسوخة أبدا خاصة مع الشريعة الناسخة لها
اللهم ارحم أمواتنا والمؤمنين
اللهم ارحم أبي وأمي والصالحين
الاثنين، 9 أغسطس 2021
اداب الزفاف للالباني الجزء الاخير152-صفحة رقم -218-
صفحة
رقم -152- [ العبوا
بها ، العبوا بها ] ( 1 )
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
تاب الطلاق للعدة محكما وكاملا
كتاب الطلاق المُحْكَم والكامل كتاب الطلاق المحكم والكامل منقحا هيتميل نسخة منقحة ليس فيها درافت بلوجر الملوث للمدونة ومذيلة بموضوع ال...
-
كتاب الطلاق المُحْكَم والكامل كتاب الطلاق المحكم والكامل منقحا هيتميل نسخة منقحة ليس فيها درافت بلوجر الملوث للمدونة ومذيلة بموضوع ال...
-
باب صفة المرأة التي يستحب خطبتها 1 - عن أنس (ان النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كان يأمر بالباءة وينهي عن التبتل نهيا شديدا ويقول ت...
-
تلخيص صفة صلاة النبي صلى الله عليه و سلم كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من التكبير إلى التسليم كأنك تراها، بعبارة وجيزة، ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق