اللهم ارحم أمواتنا والمؤمنين

 

اللهم ارحم أبي وأمي والصالحين

https://allahomerhammyfatherandrighteous.blogspot.com/

السبت، 9 يناير 2021

كتاب الطلاق عند الشوكاني والاستدراك علي المخالفات فيه


كتاب الطلاق 
بداية أقول المدون أن هذا الاختلاف البادي في لغة الفقهاء كما تري في شتي مناحيهم ناتج  من عدم التنبه الي أن ما نزل في سورة الطلاق ابان العام الخامس الهجري  قد تصوره الناس بما فيهم الفقهاء استكمالا    إلهيا علي خط ما قد نزل في سورة البقرة  2هــ سابقا  ولم يتنبه الكثرة منهم أن هذا الذي تم تنزيله  في قرابة الام الخامس الهجري هو تبديل   لقواعد الطلاق التي سادت  حين تحكم العمل بأحكام سورة البقرة وانتهي جُلُّه مع فرض العمل بأحكام سورة الطلاق مع مجيئ العام الخامس  الهجري  تبديلا  لسابق ما نزل وانتهي من ساعة  نزول سورة الطلاق 5 هــ ومن هنا استحكمت الخلافات بينهم وهذه سنة الله في أمره بأن الخلاف الناتج عن شرع نُسخ أمام شرعة ناسخة يستحيل التوفيق بين قواعدهما لا يزداد إلا تجئيرا وتحجيرا ولا يستوي عند الله الضدان ولا يرتقيان ولا ينتصبان هكذا بدا الشأن في مسائل الطلاق بين الفقهاء اختلاف وخلاف دائم انتصبت قامته في أوجههم وكل يحاول أن يرضي بوجهة نظره  معتبرا أنها الأحسن والسبب أنهم غضوا  الأطراف عن أن التباين الحادث والاختلاف من نسيانهم قول الله تعالي [وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102) / سورة النحل] وهنا نبهنا لها الخلاف والإشارة إلي حله كما في الروابط المرفقة  في الكتاب المرفق أيضا بروابط مفعلة جدا
 
🌳🌳🌳🌳

باب جوازه للحاجة وكراهته مع عدمها وطاعة الوالد فيه
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
1 -
عن عمر بن الخطاب‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم طلق حفصة ثم راجعها‏)‏‏.‏
-
رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وهو لأحمد من حديث عاصم بن عمر‏.‏
2 -
وعن لقيط بن صبرة قال‏:‏ ‏(‏قلت يا رسول اللّه إن لي امرأة فذكر من بذائها قال‏:‏ طلقها قلت إن لها صحبة وولداً قال‏:‏ مرها أو قل لها فإن يكن فيها خير ستفعل ولا تضرب ظعينتك ضربك أمتك‏)‏‏.‏
-
رواه أحمد وأبو داود‏.‏
3 -
وعن ثوبان قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ أيما امرأة سألت زوجها الطلاق في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة‏)‏‏.‏
-
رواه الخمسة إلا النسائي‏.‏
4 -
وعن ابن عمر‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ أبغض الحلال إلى اللّه عز وجل الطلاق‏)‏‏.‏
-
رواه أبو داود وابن ماجه‏.‏
5 -
وعن ابن عمر قال‏:‏ ‏(‏كانت تحتي امرأة أحبها وكان أبي يكرهها فأمرني أن أطلقها فأبيت فذكر ذلك للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏ يا عبد اللّه بن عمر طلق امرأتك‏)‏‏.‏
-
رواه الخمسة إلا النسائي وصححه الترمذي‏.‏
-
حديث عمر بن الخطاب سكت عنه أبو داود والمنذري وحديث لقيط أخرجه أيضاً البيهقي ورجاله رجال الصحيح‏.‏
وحديث ثوبان حسنه الترمذي وذكر أن بعضهم لم يرفعه‏.‏ وحديث ابن عمر الأول أخرجه أيضاً الحاكم وصححه ورواه أيضاً أبو داود وفي إسناد أبي داود يحيى بن سليم وفيه مقال والبيهقي مرسلاً ليس فيه ابن عمر ورجح أبو حاتم والدارقطني والبيهقي المرسل وفي إسناده عبيد اللّه بن الوليد الوصافي وهو ضعيف ولكنه قد تابعه معرف بن واصل ورواه الدارقطني عن معاذ بلفظ‏:‏ ‏(‏ما خلق اللّه شيئاً أبغض إليه من الطلاق‏)‏ قال الحافظ‏:‏ وإسناده ضعيف ومنقطع‏.‏
وأخرج ابن ماجه وابن حبان من حديث أبي موسى مرفوعاً‏:‏ ‏(‏ما بال أحدكم يلعب بحدود اللّه يقول قد طلقت قد راجعت‏)‏ وحديث ابن عمر الثاني قال الترمذي بعد إخراجه‏:‏ هذا حديث حسن صحيح إنما نعرفه من حديث ابن أبي ذئب انتهى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏طلق حفصة‏)‏ قال في الفتح‏:‏ الطلاق في اللغة حل الوثاق مشتق من الإطلاق وهو الإرسال والترك وفلان طلق اليد بالخير أي كثير البذل وفي الشرع حل عقدة التزويج فقط وهو موافق لبعض أفراد مدلوله اللغوي‏.‏ قال إمام الحرمين‏:‏ هو لفظ جاهلي ورد الشرع بتقريره وطلقت المرأة بفتح الطاء وضم اللام وبفتحها أيضاً وهو أفصح وطلقت أيضاً بضم أوله وكسر اللام الثقيلة فإن خففت فهي خاص بالولادة والمضارع فيهما بضم اللام والمصدر في الولادة طلقاً ساكنة اللام فهي طالق فيهما ثم الطلاق قد يكون حراماً ومكروهاً وواجباً ومندوباً وجائزاً أما الأول ففيما إذا كان بدعياً وله صور‏.‏ وأما الثاني ففيما إذا وقع بغير سبب مع استقامة الحال‏.‏ وأما الثالث ففي صور منها الشقاق إذا رأى ذلك الحكمان‏.‏ وأما الرابع ففيما إذا كانت غير عفيفة‏.‏ وأما الخامس فنفاه النووي وصوره غيره بما إذا كان لا يريدها ولا تطيب نفسه أن يتحمل مؤنتها من غير حصول غرض الاستمتاع فقد صرح الإمام أن الطلاق في هذه الصورة لا يكره انتهى‏.‏
وفي حديث عمر هذا دليل على أن الطلاق يجوز للزوج من دون كراهة لأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم إنما يفعل ما كان جائزاً من غير كراهة ولا يعارض هذا حديث‏:‏ ‏(‏أبغض الحلال إلى اللّه‏)‏ الخ لأن كونه أبغض الحلال لا يستلزم أن يكون مكروهاً كراهة أصولية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏طلقها‏)‏ فيه أنه يحسن طلاق من كانت بذية اللسان ويجوز إمساكها ولا يحل ضربها كضرب الأمة وقد تقدم الكلام على ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فحرام عليها رائحة الجنة‏)‏ فيه دليل على أن سؤال المرأة الطلاق من زوجها محرم عليها تحريماً شديداً لأن من لم يرح رائحة الجنة غير داخل لها أبداً وكفى بذنب يبلغ بصاحبه إلى ذلك المبلغ منادياً على فظاعته وشدته‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أبغض الحلال إلى اللّه‏)‏ الخ فيه دليل على أن ليس كل حلال محبوباً بل ينقسم إلى ما هو محبوب وإلى ما هو مبغوض‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏طلق امرأتك‏)‏ دليل صريح يقتضي أنه يجب على الرجل إذا أمره أبوه بطلاق زوجته أن يطلقها وإن كان يحبها فليس ذلك عذراً له في الإمساك ويلحق بالأب الأم لأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قد بين أن لها من الحق على الولد ما يزيد على حق الأب كما في حديث‏:‏ ‏(‏من أبر يا رسول اللّه فقال أمك ثم سأله فقال أمك ثم سأله فقال أمك وأباك‏)‏ وحديث‏:‏ ‏(‏الجنة تحت أقدام الأمهات‏)‏ وغير ذلك‏.‏
باب النهي عن الطلاق في الحيض وفي الطهر بعد أن يجامعها ما لم يبن حملها
1 -
عن ابن عمر‏:‏ ‏(‏أنه طلق امرأته وهي حائض فذكر ذلك عمر للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏ مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً‏)‏‏.‏
-
رواه الجماعة إلا البخاري‏.‏
وفي رواية عنه‏:‏ ‏(‏أنه طلق امرأة له وهي حائض فذكر ذلك عمر للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فتغيظ فيه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ثم قال‏:‏ ليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها قبل أن يمسها فتلك العدة كما أمر اللّه تعالى‏)‏ وفي لفظ‏:‏ ‏(‏فتلك العدة التي أمر اللّه أن يطلق لها النساء‏)‏ رواه الجماعة إلا الترمذي فإن له منه إلى الأمر بالرجعة‏.‏ ولمسلم والنسائي نحوه وفي آخره قال ابن عمر ‏(‏وقرأ النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏{‏يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن‏}‏‏)‏‏.‏
وفي رواية متفق عليها‏:‏ ‏(‏وكان عبد اللّه طلق تطليقة فحسبت من طلاقها‏.‏
وفي رواية‏:‏ ‏(‏كان ابن عمر إذا سئل عن ذلك قال لأحدهم أما إن طلقت امرأتك مرة أو مرتين فإن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أمرني بهذا وإن كنت طلقت ثلاثاً فقد حرمت عليك حتى تنكح زوجاً غيرك وعصيت اللّه عز وجل فيما أمرك به من طلاق امرأتك‏)‏ رواه أحمد ومسلم والنسائي‏.‏
وفي رواية‏:‏ ‏(‏أنه طلق امرأته وهي حائض تطليقة فانطلق عمر فأخبر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال له النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ مر عبد اللّه فليراجعها فإذا اغتسلت فليتركها حتى تحيض فإذا اغتسلت من حيضتها الأخرى فلا يمسها حتى يطلقها وإن شاء أن يمسكها فليمسكها فإنها العدة التي أمر اللّه أن يطلق لها النساء‏)‏ رواه الدارقطني وفيه تنبيه على تحريم الوطء والطلاق قبل الغسل‏.‏
2 -
وعن عكرمة قال‏:‏ ‏(‏قال ابن عباس‏:‏ الطلاق على أربعة أوجه وجهان حلال ووجهان حرام فأما اللذان هما حلال فأن يطلق الرجل امرأته طاهراً من غير جماع أو يطلقها حاملاً مستبيناً حملها وأما اللذان هما حرام فأن يطلقها حائضاً أو يطلقها عند الجماع لا يدري اشتمل الرحم على ولد أم لا‏)‏‏.‏
-
رواه الدارقطني‏.‏
-
قوله‏:‏ ‏(‏طلق امرأته‏)‏ اسمها آمنة بنت غفار كما حكاه جماعة منهم النووي وابن باطش‏.‏ وغفار بكسر الغين المعجمة وتخفيف الفاء وفي مسند أحمد أن اسمها النوار‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وهي حائض‏)‏ في رواية‏:‏ ‏(‏وهي في دمها حائض‏)‏ وفي أخرى للبيهقي‏:‏ ‏(‏أنه طلقها في حيضها‏)‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فذكر ذلك عمر‏)‏ قال ابن العربي‏:‏ سؤال عمر محتمل لأن يكون ذلك لكونهم لم يروا قبلها مثلها فسأله ليعلم ويحتمل أن يكون لما رأى في القرآن ‏{‏فطلقوهن لعدتهن‏}‏ ويحتمل أن يكون سمع من النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم النهي فجاء ليسأل عن الحكم بعد ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مره فليراجعها‏)‏ قال ابن دقيق العيد‏:‏ يتعلق بذلك مسألة أصولية وهي أن الأمر بالأمر بالشيء هل هو أمر بذلك الشيء أو لا فإنه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال لعمر مره والمسألة معروفة في كتب الأصول والخلاف فيها مشهور‏.‏
وقد ذكر الحافظ في الفتح أن من مثل بهذا الحديث لهذه المسألة فهو غالط فإن القرينة واضحة في أن عمر في هذه الكائنة كان مأموراً بالتبليغ ولهذا وقع في رواية أيوب عن نافع فأمره أن يراجعها إلى آخر كلام صاحب الفتح‏.‏ وظاهر الأمر الوجوب فتكون مراجعة من طلقها زوجها على تلك الصفة واجبة وقد ذهب إلى ذلك مالك وأحمد في رواية والمشهور عنه وهو قول الجمهور الاستحباب فقط قال في الفتح‏:‏ واحتجوا بأن ابتداء النكاح لا يجب فاستدامته كذلك لكن صحح صاحب الهداية من الحنفية أنها واجبة والحجة لمن قال بالوجوب ورود الأمر بها ولأن الطلاق لما كان محرماً في الحيض كانت استدامة النكاح فيه واجبة واتفقوا على أنه لو طلق قبل الدخول وهي حائض لم يؤمر بالمراجعة إلا ما نقل عن زفر وحكى ابن بطال وغيره الاتفاق إذا انقضت العدة أنه لا رجعة والاتفاق أيضاً على أنه إذا طلقها في طهر قد مسها فيه لم يؤمر بالمراجعة وتعقب الحافظ ذلك بثبوت الخلاف فيه كما حكاه الحناطي من الشافعية وجهاً‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً‏)‏ ظاهره جواز الطلاق حال الطهر ولو كان هو الذي يلي الحيضة التي طلقها فيها وبه قال أبو حنيفة وهو إحدى الروايتين عن أحمد وأحد الوجهين عن الشافعية وذهب أحمد في إحدى الروايتين عنه والشافعية في الوجه الآخر وأبو يوسف ومحمد إلى المنع وحكاه صاحب البحر عن القاسمية وأبي حنيفة وأصحابه وفيه نظر فإن الذي في كتب الحنفية هو ما ذكرناه من الجواز عن أبي حنيفة والمنع عن أبي يوسف ومحمد واستدل القائلون بالجواز بظاهر الحديث وبأن المنع إنما كان لأجل الحيض فإذا طهرت زال موجب التحريم فجاز الطلاق في ذلك الطهر كما يجوز في غيره من الأطهار واستدل المانعون بما في الرواية الثانية من حديث الباب المذكور بلفظ‏:‏ ‏(‏ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر‏)‏ الخ وكذلك قوله في الرواية الأخرى‏:‏ ‏(‏مر عبد اللّه فليراجعها فإذا اغتسلت‏)‏ الخ‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فتغيظ‏)‏ قال ابن دقيق العيد‏:‏ تغيظ النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم إما لأن المعنى الذي يقتضي المنع كان ظاهراً فكان مقتضى الحال التثبت في ذلك أو لأنه كان مقتضى الحال مشاورة النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في ذلك إذا عزم عليه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم يمسكها‏)‏ أي يستمر بها في عصمته حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر‏.‏
وفي رواية للبخاري‏:‏ ‏(‏ثم ليدعها حتى تطهر ثم تحيض حيضة أخرى فإذا طهرت فليطلقها‏)‏ قال الشافعي‏:‏ غير نافع إنما روى‏:‏ ‏(‏حتى تطهر من الحيضة التي طلقها فيها ثم إن شاء أمسكها وإن شاء طلق‏)‏ رواه يونس ابن جبير وابن سيرين وسالم‏.‏ قال الحافظ‏:‏ وهو كما قال لكن رواية الزهري عن سالم موافقة لرواية نافع وقد نبه على ذلك أبو داود والزيادة من الثقة مقبولة ولا سيما إذا كان حافظاً‏.‏
وقد اختلف في الحكمة في الأمر بالإمساك كذلك فقال الشافعي‏:‏ يحتمل أن يكون أراد بذلك أي بما في رواية نافع أن يستبرئها بعد الحيضة التي طلقها فيها بطهر تام ثم حيض تام ليكون تطليقها وهي تعلم عدتها إما بحمل أو بحيض أو ليكون تطليقها بعد علمه بالحمل وهو غير جاهل بما صنع أو ليرغب في الحمل إذا انكشفت حاملاً فيمسكها لأجله‏.‏
وقيل في الحكمة في ذلك أن لا تصير الرجعة لغرض الطلاق فإذا أمسكها زماناً يحل له فيه طلاقها ظهرت فائدة الرجعة لأنه قد يطول مقامه معها فيجامعها فيذهب ما في نفسه فيمسكها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قبل أن يمسها‏)‏ استدل بذلك على أن الطلاق في طهر جامع فيه حرام وبه صرح الجمهور وهل يجبر على الرجعة إذا طلقها في طهر وطئها فيه كما يجبر إذا طلقها حائضاً قال بذلك بعض المالكية والمشهور عندهم الإجبار إذا طلق في الحيض لا إذا طلق في طهر وطئ فيه وقال داود يجبر إذا طلقها حائضاً نفساء قال في الفتح‏:‏ واختلف الفقهاء في المراد بقوله طاهراً هل المراد انقطاع الدم أو التطهر بالغسل على قولين وهما روايتان عن أحمد والراجح الثاني لما أخرجه النسائي بلفظ‏:‏ ‏(‏مر عبد اللّه فليراجعها فإذا اغتسلت من حيضتها الأخرى فلا يمسها حتى يطلقها وإن شاء أن يمسكها فليمسكها‏)‏ وهذا مفسر لقوله ‏(‏فإذا طهرت‏)‏ فليحمل عليه وقد تمسك بقوله أو حاملاً من قال بأن طلاق الحامل سني وهم الجمهور‏.‏ وروي عن أحمد أنه ليس بسني‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فحسبت من طلاقها‏)‏ بضم الحاء المهملة من الحسبان‏.‏ وفي لفظ البخاري‏:‏ حسبت علي بتطليقة وأخرجه أبو نعيم كذلك وزاد يعني حين طلق امرأته فسأل عمر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وقد تمسك بذلك من قال بأن الطلاق البدعي يقع وهم الجمهور‏.‏ وذهب الباقر والصادق وابن حزم وحكاه الخطابي عن الخوارج والروافض إلى أنه لا يقع‏.‏ وحكاه ابن العربي وغيره عن ابن عليه يعني إبراهيم بن إسماعيل بن علية وهو من فقهاء المعتزلة‏.‏ قال ابن عبد البر‏:‏ لا يخالف في ذلك إلا أهل البدع والضلال‏.‏
قال‏:‏ وروي مثله عن بعض التابعين وهو شذوذ وقد أجاب ابن حزم عن قول ابن عمر المذكور بأنه لم يصرح بمن حسبها عليه ولا حجة في أحد دون رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وتعقب بأنه مثل قول الصحابة أمرنا في عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بكذا فإنه في حكم المرفوع إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏.‏ قال الحافظ‏:‏ وعندي أنه لا ينبغي أن يجيء فيه الخلاف الذي في قول الصحابي أمرنا بكذا فإن ذلك محله حيث يكون إطلاع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم على ذلك ليس صريحاً وليس كذلك في قصة ابن عمر هذه فإن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم هو الآمر بالمراجعة وهو المرشد لابن عمر فيما يفعل إذا أراد طلاقها بعد ذلك وإذا أخبر ابن عمر أن الذي وقع منه حسب عليه بتطليقة كان احتمال أن يكون الذي حسبها عليه غير النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بعيداً جداً مع احتفاف القرائن في هذه القصة بذلك وكيف يتخيل أن ابن عمر يفعل في القصة شيئاً برأيه وهو ينقل أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم تغيظ من صنعه حيث لم يشاوره فيما يفعل في القصة المذكورة‏.‏ واستدل الجمهور أيضاً بما أخرجه الدارقطني عن ابن عمر أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال هي واحدة‏.‏
قال في الفتح‏:‏ وهذا نص في محل النزاع يجب المصير إليه وقد أورده بعض العلماء على أن ابن حزم فأجابه بأن قوله هي واحدة لعله ليس من كلام النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فألزمه بأنه نقض أصله لأن الأصل لا يدفع بالاحتمال وقد أجاب ابن القيم عن هذا الحديث بأنه لا يدري أقاله يعني قوله هي واحدة ابن وهب من عنده أم ابن أبي ذئب أم نافع فلا يجوز أن يضاف إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ما لا يتيقن أنه من كلامه ولا يخفى أن هذا التجويز لا يدفع الظاهر المتبادر من الرفع ولو فتحنا باب دفع الأدلة بمثل هذا ما سلم لنا حديث فالأولى في الجواب المعارضة لذلك بما سيأتي‏.‏
ومن حجج الجمهور ما أخرجه الدارقطني أيضاً‏:‏ ‏(‏أن عمر قال‏:‏ يا رسول اللّه أفتحتسب بتلك التطليقة قال‏:‏ نعم‏)‏ ورجاله إلى شعبة ثقات كما قال الحافظ وشعبة رواه عن أنس بن سيرين عن ابن عمر واحتج الجمهور أيضاً بقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم راجعها فإن الرجعة لا تكون إلا بعد طلاق‏.‏ وأجاب ابن القيم عن ذلك بأن الرجعة قد وقعت في كلام رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم على ثلاثة معان‏:‏ أحدها بمعنى النكاح قال اللّه تعالى ‏{‏فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا‏}‏ ولا خلاف بين أحد من أهل العلم أن المطلق ههنا هو الزوج الثاني وأن التراجع بينها وبين الزوج الأول وذلك كابتداء النكاح وثانيها الرد الحسن إلى الحالة الأولى التي كانت عليها أولاً كقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم لأبي النعمان بن بشير لما أنحل ابنه غلاماً خصه به دون ولده‏:‏ ‏(‏أرجعه‏)‏ أي رده فهذا رد ما لم تصح فيه الهبة الجائزة‏.‏ والثالث الرجعة التي تكون بعد الطلاق ولا يخفى أن الاحتمال يوجب سقوط الاستدلال ولكنه يؤيد حمل الرجعة هنا على الرجعة بعد الطلاق ما أخرجه الدارقطني عن ابن عمر‏:‏ ‏(‏أن رجلاً قال‏:‏ إني طلقت امرأتي البتة وهي حائض فقال‏:‏ عصيت ربك وفارقت امرأتك‏)‏ قال‏:‏ فإن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أمر ابن عمر أن يراجع امرأته قال‏:‏ إنه أمر ابن عمر أن يراجعها بطلاق بقي له وأنت لم تبق ما ترتجع به امرأتك‏.‏
قال الحافظ‏:‏ وفي هذا السياق رد على من حمل الرجعة في قصة ابن عمر على المعنى اللغوي ولكنه لا يخفى أن هذا على فرض دلالته على ذلك لا يصلح للاحتجاج به لأن مجرد فهم ابن عمر لا يكون حجة وقد تقرر أن معنى الرجعة لغة أعم من المعنى الاصطلاحي ولم يثبت أنه ثبت فيها حقيقة شرعية يتعين المصير إليها‏.‏ ومن حجج القائلين بعدم الوقوع أثر ابن عباس المذكور في الباب ولا حجة لهم في ذلك لأنه قول صحابي ليس بمرفوع ومن جملة ما احتج به القائلون بعدم وقوع الطلاق البدعي ما أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي عن ابن عمر بلفظ‏:‏ ‏(‏طلق عبد اللّه بن عمر امرأته وهي حائض قال عبد اللّه‏:‏ فردها عليَّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ولم يرها شيئاً‏)‏ قال الحافظ‏:‏ وإسناد هذه الزيادة على شرط الصحيح وقد صرح ابن القيم وغيره بأن هذا الحديث صحيح لأنه رواه أبو داود عن أحمد بن صالح عن عبد الرزاق عن ابن جريج قال‏:‏ ‏(‏أخبرني أبو الزبير أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن مولى عزة يسأل ابن عمر كيف ترى في رجل طلق امرأته حائضاً فقال ابن عمر‏:‏ طلق ابن عمر امرأته حائضاً على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فسأل عمر عن ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏ إن عبد اللّه طلق امرأته وهي حائض قال عبد اللّه‏:‏ فردها عليَّ ولم يرها شيئاً‏)‏ الحديث‏.‏
فهؤلاء رجال ثقات أئمة حفاظ وقد أخرجه أحمد عن روح بن عبادة عن ابن جريج فلم يتفرد به عبد الرزاق عن ابن جريج ولكنه قد أعل هذا الحديث بمخالفة أبي الزبير لسائر الحفاظ‏.‏ قال أبو داود‏:‏ روى هذا الحديث عن ابن عمر جماعة وأحاديثهم على خلاف ما قال أبو الزبير وقال ابن عبد البر‏:‏ قوله ولم يرها شيئاً منكر لم يقله غير أبي الزبير وليس بحجة فيما خالفه فيه مثله فكيف إذا خالفه من هو أوثق منه ولو صح فمعناه عندي واللّه أعلم ولم يرها شيئاً مستقيماً لكونها لم تكن عن السنة‏.‏
وقال الخطابي‏:‏ قال أهل الحديث لم يروي أبو الزبير حديثاً أنكر من هذا وقد يحتمل أن يكون معناه ولم يرها شيئاً تحرم معه المراجعة أو لم يرها شيئاً جائزاً في السنة ماضيًا في الاختيار‏.‏ وقد حكى البيهقي عن الشافعي نحو ذلك ويجاب بأن أبا الزبير غير مدفوع في الحفظ والعدالة وإنما يخشى من تدليسه فإذا قال سمعت أو حدثني زال ذلك وقد صرح هنا بالسماع وليس في الأحاديث الصحيحة ما يخالف حديث أبي الزبير حتى يصار إلى الترجيح ويقال قد تخالفه الأكثر بل غاية ما هناك الأمر بالمراجعة على فرض استلزامه لوقوع الطلاق وقد عرفت اندفاع ذلك على أنه لو سلم ذلك الاستلزام لم يصلح لمعارضة النص الصريح أعني ولم يرها شيئاً على أنه يؤيد رواية أبي الزبير ما أخرجه سعيد بن منصور من طريق عبد اللّه بن مالك عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ ليس ذلك بشيء‏.‏ وقد روى ابن حزم في المحلى بسنده المتصل إلى ابن عمر من طريق عبد الوهاب الثقفي عن عبيد اللّه بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه قال في الرجل يطلق امرأته وهي حائض‏:‏ لا يعتد بذلك‏.‏ وهذا إسناد صحيح وروى ابن عبد البر عن الشعبي أنه قال إذا طلق امرأته وهي حائض لم يعتد بها في قول ابن عمر‏.‏
وقد روى زيادة أبي الزبير الحميدي في الجمع بين الصحيحين وقد التزم أن لا يذكر فيه إلا ما كان صحيحاً على شرطهما‏.‏ وقال ابن عبد البر في التمهيد‏:‏ أنه تابع أبا الزبير على ذلك أربعة عبد اللّه بن عمر ومحمد بن عبد العزيز ابن أبي رواد ويحيى بن سليم وإبراهيم بن أبي حسنة ولا شك أن رواية عدم الاعتداد بتلك الطلقة أرجح من رواية الاعتداد المتقدمة فإذا صرنا إلى الترجيح بناء على تعذر الجمع فرواية عدم الاعتداد أرجح لما سلف ويمكن أن يجمع بما ذكره ابن عبد البر ومن معه كما تقدم‏.‏
قال في الفتح‏:‏ وهو متعين وهو أولى من تغليط بعض الثقات وقد رجح ما ذهب إليه من قال بعدم الوقوع بمرجحات منها قوله تعالى ‏{‏يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن‏}‏ والمطلق في حال الحيض أو الطهر الذي وطئ فيه لم يطلق بتلك العدة التي أمر اللّه بتطليق النساء لها كما صرح بذلك الحديث المذكور في الباب وقد تقرر في الأصول أن الأمر بالشيء نهي عن ضده والمنهي عنه نهياً لذاته أو لجزئه أو لوصفه اللازم يقتضي الفساد والفاسد لا يثبت حكمه‏.‏ ومنها قول اللّه تعالى ‏{‏فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان‏}‏ ولا أقبح من التسريح الذي حرمه اللّه ومنها قوله تعالى ‏{‏الطلاق مرتان‏}‏ ولم يرد إلا المأذون فدل على أن ما عداه ليس بطلاق لما في هذا التركيب من الصيغة الصالحة للحصر أعني تعريف المسند إليه باللام الجنسية‏.‏ ومنها قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد‏)‏ وهو حديث صحيح شامل لكل مسألة مخالفة لما عليه أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ومسألة النزاع من هذا القبيل فإن اللّه لم يشرع هذا الطلاق ولا أذن فيه فليس من شرعه وأمره وممن ذهب إلى هذا المذهب أعني عدم وقوع البدعي شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وأطال الكلام عليها في الهدى والحافظ محمد بن إبراهيم الوزير وألف فيها رسالة طويلة في مقدار كراستين في القطع الكامل وقد جمعت فيها رسالة مختصرة مشتملة على الفوائد المذكورة في غيرها‏.‏
باب ما جاء في طلاق البتة وجمع الثلاث واختيار تفريقها
1 -
عن ركانة بن عبد اللّه‏:‏ ‏(‏أنه طلق امرأته سهيمة البتة فأخبر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بذلك فقال‏:‏ واللّه ما أردت إلا واحدة فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ واللّه ما أردت إلا واحدة قال ركانة‏:‏ واللّه ما أردت إلا واحدة فردها إليه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وطلقها الثانية في زمان عمر بن الخطاب والثالثة في زمن عثمان‏)‏‏.‏
-
رواه الشافعي وأبو داود والدارقطني وقال‏:‏ قال أبو داود‏:‏ هذا حديث حسن صحيح‏.‏
-
الحديث أخرجه أيضاً الترمذي وصححه أيضًا ابن حبان والحاكم قال الترمذي‏:‏ لا يعرف إلا من هذا الوجه وسألت محمداً عنه يعني البخاري فقال فيه اضطراب انتهى‏.‏ وفي إسناده الزبير بن سعيد الهاشمي وقد ضعفه غير واحد وقيل إنه متروك وذكر الترمذي عن البخاري أنه يضطرب فيه تارة يقال فيه ثلاثاً وتارة قيل واحدة وأصحها أنها طلقها البتة وأن الثلاث ذكرت فيه على المعنى‏.‏
قال ابن كثير‏:‏ لكن قد رواه أبو داود من وجه آخر وله طرق أخر فهو حسن إن شاء اللّه‏.‏ وقال ابن عبد البر في التمهيد‏:‏ تكلموا في هذا الحديث انتهى‏.‏ وهو مع ضعفه مضطرب ومعارض أما الاضطراب فكما تقدم وقد أخرج أحمد أنه طلق ركانة امرأته في مجلس واحد ثلاثاً فحزن عليها وروى ابن إسحاق عن ركانة أنه قال‏:‏ ‏(‏يا رسول اللّه إني طلقتها ثلاثاً قال‏:‏ قد علمت أرجعها ثم تلا إذا طلقتم النساء‏)‏ الآية‏.‏ أخرجه أبو داود وأما معارضته فبما روى ابن عباس أن طلاق الثلاث كانت واحدة وسيأتي وهو أصح إسناداً وأوضح متناً‏.‏
وروى النسائي عن محمود بن لبيد قال‏:‏ ‏(‏أخبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعاً فقام غضبان ثم قال أيلعب بكتاب اللّه وأنا بين أظهركم حتى قام رجل فقال‏:‏ يا رسول اللّه ألا أقتله‏)‏ قال ابن كثير‏:‏ إسناده جيد‏.‏
وقال الحافظ في بلوغ المرام‏:‏ رواته موثقون‏.‏
وفي الباب عن ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏طلق أبو ركانة أم ركانة فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ راجع امرأتك فقال‏:‏ إني طلقتها ثلاثاً قال‏:‏ قد علمت راجعها‏)‏ أخرجه أبو داود ورواه أحمد والحاكم وهو معلول بابن إسحاق فإنه في سنده‏.‏
والحديث يدل على أن من طلق بلفظ البتة وأراد واحدة كانت واحدة وإن أراد ثلاثاً كانت ثلاثاً ورواية ابن عباس التي ذكرناها أنه أعني ركانة طلقها ثلاثاً فأمره صلى اللّه عليه وآله وسلم بمراجعتها يدل على أن من طلق ثلاثاً دفعة كانت في حكم الواحدة وسيأتي الخلاف في ذلك وبيان ما هو الحق‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال صلى اللّه عليه وآله وسلم واللّه ما أردت إلا واحدة‏)‏ الخ فيه دليل على أنه لا يقبل قول من طلق زوجته بلفظ البتة ثم زعم أنه أراد واحدة إلا بيمين ومثل هذا كل دعوى يدعيها الزوج راجعة إلى الطلاق إذا كان له فيها نفع‏.‏
2-
وعن سهل بن سعد قال‏:‏ ‏(‏لما لاعن أخو بني عجلان امرأته قال يا رسول اللّه ظلمتها إن أمسكتها هي الطلاق وهي الطلاق وهي الطلاق‏)‏‏.‏
رواه أحمد‏.‏
3 -
وعن الحسن قال‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد اللّه بن عمر أنه طلق امرأته تطليقة وهي حائض ثم أراد أن يتبعها بتطليقتين آخرتين عند القرءين فبلغ ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏ يا ابن عمر ما هكذا أمرك اللّه تعالى إنك قد أخطأت السنة والسنة أن تستقبل الطهر فتطلق لكل قرء وقال فأمرني رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فراجعتها ثم قال إذا هي طهرت فطلق عند ذلك أو أمسك فقلت يا رسول اللّه أرأيت لو طلقتها ثلاثاً أكان يحل لي أن أراجعها قال لا كانت تبين منك وتكون معصية‏)‏‏.‏
رواه الدارقطني‏.‏
حديث سهل بن سعد هو عند الجماعة إلا الترمذي بلفظ‏:‏ ‏(‏فلما فرغا قال عويمر كذبت عليك يا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إن أمسكتها فطلقها ثلاثًا قبل أن يأمره رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فكانت سنة المتلاعنين‏)‏‏.‏ وسيأتي في كتاب اللعان والغرض من إيراده ههنا أن الثلاث إذا وقعت في موقف واحد وقعت كلها وبانت الزوجة وأجاب القائلون بأنها لا تقع إلا واحدة فقط عن ذلك بأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم إنما سكت عن ذلك لأن الملاعنة تبين بنفس اللعان فالطلاق الواقع من الزوج بعد ذلك لا محل له فكأنه طلق أجنبية ولا يجب إنكار مثل ذلك فلا يكون السكوت عنه تقريراً‏.‏
وحديث الحسن في إسناده عطاء الخراساني وهو مختلف فيه وقد وثقه الترمذي وقال النسائي وأبو حاتم‏:‏ لا بأس به وكذبه سعيد بن المسيب وضعفه غير واحد‏.‏ وقال البخاري‏:‏ ليس فيمن روى عنه مالك من يستحق الترك غيره‏.‏ وقال شعبة‏:‏ كان نسيًا‏.‏ وقال ابن حبان‏:‏ كان من خيار عباد اللّه غير أنه كان كثير الوهم سيء الحفظ يخطئ ولا يدري فلما كثر ذلك في روايته بطل الاحتجاج به وأيضاً الزيادة التي هي محل الحجة أعني قوله‏:‏ ‏(‏أرأيت لو طلقتها‏)‏ الخ مما تفرد به عطاء وخالف فيها الحفاظ فإنهم شاركوه في أصل الحديث ولم يذكروا الزيادة وأيضاً في إسنادها شعيب بن زريق الشامي وهو ضعيف‏.‏
وقد استدل القائلون بأن الثلاث تقع بأحاديث من جملتها هذا الحديث وأجاب عنه القائلون بأنها تقع واحدة فقط بعدم صلاحيته للاحتجاج لما سلف على أن لفظ الثلاث محتمل‏.‏
4 -
وعن حماد بن زيد قال‏:‏ ‏(‏قلت لأيوب هل علمت أحد قال في أمرك بيدك أنها ثلاث إلا الحسن قال‏:‏ لا ثم قال‏:‏ اللّهم غفراً إلا ما حدثني قتادة عن كثير مولى ابن سمرة عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ثلاث قال أيوب‏:‏ فلقيت كثيراً مولى ابن سمرة فسألته فلم يعرفه فرجعت إلى قتادة فأخبرته فقال‏:‏ نسي‏)‏‏.‏
رواه أبو داود والترمذي وقال‏:‏ هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث سليمان بن حرب عن حماد بن زيد‏.‏
5 -
وعن زرارة بن ربيعة عن أبيه عن عثمان‏:‏ ‏(‏في أمرك بيدك القضاء ما قضت‏)‏‏.‏
رواه البخاري في تاريخه‏.‏
6 -
وعن علي قال‏:‏ ‏(‏الخلية والبرية والبتة والبائن والحرام ثلاثاً لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره‏)‏‏.‏
رواه الدارقطني‏.‏
7 -
وعن ابن عمر‏:‏ ‏(‏أنه قال في الخلية والبرية ثلاثاً ثلاثاً‏)‏‏.‏
رواه الشافعي‏.‏
8 -
وعن يونس بن يزيد قال‏:‏ ‏(‏سألت ابن شهاب عن رجل جعل أمر امرأته بيد أبيه قبل أن يدخل بها فقال أبوه هي طالق ثلاثاً كيف السنة في ذلك فقال أخبرني محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان مولى بني عامر بن لؤي أن محمد بن إياس بن بكر الليثي وكان أبوه شهد بدراً أخبره أن أبا هريرة قال‏:‏ بانت عنه فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره وأنه سأل ابن عباس عن ذلك فقال مثل قول أبي هريرة وسأل عبد اللّه بن عمرو بن العاص فقال مثل قولهما‏)‏‏.‏
رواه أبو بكر البرقاني في كتابه المخرج على الصحيحين‏.‏
9 -
وعن مجاهد قال‏:‏ ‏(‏كنت عند ابن عباس فجاءه رجل فقال أنه طلق امرأته ثلاثاً فسكت حتى ظننت أنه رادها إليه ثم قال ينطلق أحدكم فيركب الحموقة ثم يقول يا ابن عباس يا ابن عباس وإن اللّه قال ‏{‏ومن يتق اللّه يجعل له مخرجاً‏}‏ وإنك لم تتق اللّه فلم أجد لك مخرجاً عصيت ربك فبانت منك امرأتك وإن اللّه قال ‏{‏يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن‏}‏‏)‏‏.‏
رواه أبو داود‏.‏
10 -
وعن مجاهد عن ابن عباس‏:‏ ‏(‏أنه سئل عن رجل طلق امرأته مائة قال‏:‏ عصيت ربك وفارقت امرأتك لم تتق اللّه فيجعل لك مخرجاً‏)‏‏.‏
11 -
وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس‏:‏ ‏(‏أن رجلاً طلق امرأته ألفاً قال‏:‏ يكفيك من ذلك ثلاث وتدع تسعمائة وسبعاً وتسعين‏)‏‏.‏
12 -
وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس‏:‏ ‏(‏أنه سئل عن رجل طلق امرأته عدد النجوم فقال أخطأ السنة وحرمت عليه امرأته‏)‏‏.‏
رواهن الدارقطني‏.‏
وهذا كله يدل على إجماعهم على صحة وقوع الثلاث بالكلمة الواحدة‏.‏
وقد روى طاوس عن ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏كان الطلاق على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة فقال عمر بن الخطاب‏:‏ إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم‏)‏ رواه أحمد ومسلم‏.‏
وفي رواية عن طاوس‏:‏ ‏(‏أن أبا الصهباء قال لابن عباس هات من هناتك ألم يكن طلاق الثلاث على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وأبي بكر واحدة قال قد كان ذلك فلما كان في عهد عمر تتابع الناس في الطلاق فأجازه عليهم‏)‏ رواه مسلم‏.‏
وفي رواية‏:‏ ‏(‏أما علمت أن الرجل كان إذا طلق امرأته ثلاثاً قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وأبي بكر وصدراً من إمارة عمر قال ابن عباس‏:‏ بلى كان الرجل إذا طلق امرأته ثلاثاً قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وأبي بكر وصدراً من إمارة عمر فلما رأى الناس قد تتابعوا فيها قال أجيزوهن عليهم‏)‏ رواه أبو داود‏.‏
حديث حماد بن زيد أخرجه أيضاً النسائي‏.‏ وحكى الترمذي عن البخاري أنه قال إنما هو عن أبي هريرة موقوفاً ولم يعرف حديث أبي هريرة مرفوعاً‏.‏
وقال النسائي‏:‏ هذا حديث منكر وأما إنكار الشيخ أنه حدث بذلك فإن كان على طريقة الجزم كما وقع في رواية أبي داود بلفظ قال أيوب فقدم علينا كثير فسألته فقال ما حدثت بهذا قط فذكرته لقتادة فقال بلى ولكنه نسي انتهى‏.‏ فلا شك أنه علة قادحة وإن لم تكن على طريقة الجزم بل عدم معرفة ذلك الحديث وعدم ذكر الجملة والتفصيل بدون تصريح بالإنكار كما في الرواية المذكورة في الباب فليس ذلك مما يعد قادحاً في الحديث وقد بين هذا في علم اصطلاح الحديث وقد استدل بهذا الحديث على أن من قال لامرأته أمرك بيدك كان ذلك ثلاثًا وقد اختلف في قول الرجل لزوجته أمرك بيدك وأمرك إليك هل هو صريح تمليك للطلاق أو كناية فحكى في البحر عن الحنفية والشافعية ومالك أنه صريح فلا يقبل قول الزوج بعد ذلك أنه أراد التوكيل وذهب المؤيد باللّه والهادوية إلى أنه كناية تمليك فيقبل قول الزوج أنه أراد التوكيل‏.‏
قوله‏:‏ قال الخلية الخ هذه الألفاظ من ألفاظ الطلاق الصريح وأما كونها بمنزلة إيقاع ثلاث تطليقات فقد تقدم في لفظ البتة ما يدل على أنه بمنزلة الطلاق الثلاث إلا أن يحلف الزوج أنه ما أراد به إلا واحدة فيمكن أن يكون علي رضي اللّه عنه ألحق به بقية الألفاظ المذكورة وأما لفظ الحرام فسيأتي الكلام عليه في باب من حرم زوجته أو أمته من كتاب الظهار‏.‏
قوله‏:‏ ‏{‏فطلقوهن لعدتهن‏}‏ هذا الأثر إسناده صحيح كما قال صاحب الفتح وأخرج له أبو داود متابعات عن ابن عباس وذكر نحو الآثار التي عزاها المصنف إلى الدارقطني وقد أخرج عبد الرزاق عن عمر أنه رفع إليه رجل طلق امرأته ألفاً فقال له عمر‏:‏ أطلقت امرأتك قال‏:‏ لا إنما كنت ألعب فعلاه عمر بالدرة وقال‏:‏ إنما يكفيك من ذلك ثلاث‏.‏
وروى وكيع عن علي رضي اللّه عنه وعثمان نحو ذلك وأخرج عبد الرزاق والبيهقي عن ابن مسعود أنه قيل له إن رجلاً طلق امرأته البارحة مائة قال‏:‏ قلتها مرة واحدة قال‏:‏ نعم قال‏:‏ تريد أن تبين منك امرأتك قال‏:‏ نعم قال‏:‏ هو كما قلت‏.‏ وأتاه آخر فقال‏:‏ رجل طلق امرأته عدد النجوم قال‏:‏ قلتها مرة واحدة قال‏:‏ نعم قال‏:‏ تريد أن تبين منك امرأتك قال‏:‏ نعم قال‏:‏ هو كما قلت واللّه لا تلبسون على أنفسكم ونتحمله عنكم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أناة‏)‏ في الصحاح أنه على وزن قناة وفي القاموس والأناة كقناة الحلم والوقار‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من هناتك‏)‏ جمع هنَّ كأخَّ وهو الشيء يقول هذا هنك أي شيئك هذا معنى ما في القاموس فكأن أبا الصهباء قال لابن عباس هات من الأشياء العلمية التي عندك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تتابع الناس‏)‏ بتاءين فوقيتين بعد الألف مثناة تحتية بعدها عين مهملة وهو الوقوع في الشر من غير تماسك ولا توقف‏.‏
واعلم أنه قد وقع الخلاف في الطلاق الثلاث إذا أوقعت في وقت واحد هل يقع جميعها ويتبع الطلاق الطلاق أم لا فذهب جمهور التابعين وكثير من الصحابة وأئمة المذاهب الأربعة وطائفة من أهل البيت منهم أمير المؤمنين علي رضي اللّه عنه والناصر والإمام يحيى حكى ذلك عنهم في البحر وحكاه أيضاً عن بعض الإمامية إلى أن الطلاق يتبع الطلاق وذهبت طائفة من أهل العلم إلى أن الطلاق لا يتبع الطلاق بل يقع واحدة فقط‏.‏ وقد حكى ذلك صاحب البحر عن أبي موسى ورواية عن علي عليه السلام وابن عباس وطاوس وعطاء وجابر بن زيد والهادي والقاسم والباقر والناصر وأحمد بن عيسى وعبد اللّه بن موسى بن عبد اللّه ورواية عن زيد بن علي وإليه ذهب جماعة من المتأخرين منهم ابن تيمية وابن القيم وجماعة من المحققين وقد نقله ابن مغيث في كتاب الوثائق عن محمد بن وضاح ونقل الفتوى بذلك عن جماعة من مشايخ قرطبة كمحمد بن بقي ومحمد بن عبد السلام وغيرهما ونقله ابن المنذري عن أصحاب ابن عباس كعطاء وطاوس وعمرو بن دينار وحكاه ابن مغيث أيضاً في ذلك الكتاب عن علي رضي اللّه عنه وابن مسعود وعبد الرحمن بن عوف والزبير وذهب بعض الإمامية إلى أنه لا يقع بالطلاق المتتابع شيء لا واحدة ولا أكثر منها وقد حكى ذلك عن بعض التابعين‏.‏
وروى عن ابن علية وهشام بن الحكم وبه قال أبو عبيدة وبعض أهل الظاهر وسائر من يقول أن الطلاق البدعي لا يقع لأن الثلاث بلفظ واحد أو ألفاظ متتابعة منه وعدم وقوع البدعي هو أيضاً مذهب الباقر والصادق والناصر وذهب جماعة من أصحاب ابن عباس وإسحاق بن راهويه أن المطلقة إن كانت مدخولة وقعت الثلاث وإن لم تكن مدخولة فواحدة‏.‏
استدل القائلون بأن الطلاق يتبع الطلاق بأدلة منها قوله تعالى ‏{‏الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان‏}‏ وظاهرها جواز إرسال الثلاث أو الثنتين دفعة أو مفرقة ووقوعها قال الكرماني‏:‏ إن قوله ‏{‏الطلاق مرتان‏}‏ يدل على جواز جمع الثنتين وإذا جاز جمع الثنتين دفعة جاز جمع الثلاث وتعقبه الحافظ بأنه قياس مع الفارق لأن جمع الثنتين لا يستلزم البينونة الكبرى بخلاف الثلاث‏.‏
وقال الكرماني‏:‏ إن التسريح بإحسان عام يتناول إيقاع الثلاث دفعة وتعقب بأن التسريح في الآية إنما هو بعد إيقاع الثنتين فلا يتناول إيقاع الثلاث دفعة‏.‏ وقد قيل إن هذه الآية من أدلة عدم التتابع لأن ظاهرها أن الطلاق المشروع لا يكون بالثلاث دفعة بل على الترتيب المذكور وهذا أظهر واستدلوا أيضاً بظواهر سائر الآيات القرآنية نحو قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره‏}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن‏}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن‏}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وللمطلقات متاع بالمعروف‏}‏ ولم يفرق في هذه الآيات بين إيقاع الواحدة والثنتين والثلاث وأجيب بأن هذه عمومات مخصصة وإطلاقات مقيدة بما ثبت من الأدلة الدالة على المنع من وقوع فوق الواحدة واستدلوا أيضاً بحديث سهل بن سعد المتقدم في قضية عويمر العجلاني وقد قدمنا الجواب عن ذلك واستدلوا أيضًا بالحديث المذكور بعده فيما تقدم من رواية الحسن وقد تقدم أيضاً الجواب عنه واستدلوا أيضًا بما أخرجه عبد الرزاق في مصنفه عن يحيى بن العلاء عن عبد اللّه بن الوليد الوصافي عن إبراهيم بن عبد اللّه بن عبادة بن الصامت قال‏:‏ ‏(‏طلق جدي امرأة له ألف تطليقة فانطلق إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فذكر له ذلك فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ما اتقى اللّه جدك أما ثلاث فله وأما تسعمائة وسبع وتسعون فعدوان وظلم إن شاء اللّه عذبه وإن شاء غفر له‏)‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏إن أباك لم يتق اللّه فيجعل له مخرجاً بانت منه بثلاث على غير السنة وتسعمائة وسبع وتسعون إثم في عنقه‏)‏ وأجيب بأن يحيى بن العلاء ضعيف وعبيد اللّه بن الوليد هالك وإبراهيم بن عبيد اللّه مجهول فأي حجة في رواية ضعيف عن هالك عن مجهول ثم والد عبادة بن الصامت لم يدرك الإسلام فكيف بجده واستدلوا أيضاً بما في حديث ركانة السابق أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم استحلفه أنه ما أراد إلا واحدة وذلك يدل على أنه لو أراد الثلاث لوقعت ويجاب بأن أثبت ما روي في قصة ركانة أنه طلقها البتة لا ثلاثاً وأيضاً قد تقدم في رواية أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال له‏:‏ أرجعها بعد أن قال له‏:‏ أنه طلقها ثلاثاً‏.‏ وأيضاً قد تقدم فيه من المقال ما لا ينتهض معه للاستدلال‏.‏
واستدل القائلون بأنه لا يقع من المتعدد إلا واحدة بما وقع في حديث ابن عباس عن ركانة‏:‏ ‏(‏أنه طلق امرأته ثلاثاً في مجلس واحد فحزن عليها حزناً شديداً فسأله النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كيف طلقتها فقال ثلاثاً في مجلس واحد فقال له صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ إنما تلك واحدة فارتجعها‏)‏ أخرجه أحمد وأبو يعلى وصححه وأجيب عن ذلك بأجوبة منها أن في إسناده محمد بن إسحاق ورد بأنهم قد احتجوا في غير واحد من الأحكام بمثل هذا الإسناد ومنها معارضته لفتوى ابن عباس المذكورة في الباب ورد بأن المعتبر روايته لا رأيه ومنها أن أبا داود رجح أن ركانة إنما طلق امرأته البتة كما تقدم ويمكن أن يكون من روى ثلاثاً حمل البتة على معنى الثلاث وفيه مخالفة للظاهر والحديث نص في محل النزاع‏.‏
واستدلوا أيضاً بحديث ابن عباس المذكور في الباب أن الطلاق كان على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إلى آخره وقد أجيب عنه بأجوبة منها ما نقله المصنف رحمه اللّه في هذا الكتاب بعد إخراجه له ولفظه وقد اختلف الناس في تأويل هذا الحديث فذهب بعض التابعين إلى ظاهره في حق من لم يدخل بها كما دلت عليه رواية أبي داود وتأوله بعضهم على صورة تكرير لفظ الطلاق بأن يقول أنت طالق أنت طالق أنت طالق فإنه يلزمه واحدة إذا قصد التوكيد وثلاث إذا قصد تكرير الإيقاع فكان الناس في عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وأبي بكر على صدقهم وسلامتهم وقصدهم في الغائب الفضيلة والاختيار ولم يظهر فيهم خب ولا خداع وكانوا يصدقون في إرادة التوكيد فلما رأى عمر في زمانه أموراً ظهرت وأحوالاً تغيرت وفشا إيقاع الثلاث جملة بلفظ لا يحتمل التأويل ألزمهم الثلاث في صورة التكرير إذ صار الغالب عليهم قصدها وقد أشار إليه بقوله أن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة‏.‏
وقال أحمد بن حنبل‏:‏ كل أصحاب ابن عباس رووا عنه خلاف ما قال طاوس سعيد بن جبير ومجاهد ونافع عن ابن عباس بخلافه وقال أبو داود في سننه‏:‏ صار قول ابن عباس فيما حدثنا أحمد بن صالح قال حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن محمد بن إياس أن ابن عباس وأبا هريرة وعبد اللّه بن عمرو بن العاص سئلوا عن البكر يطلقها زوجها ثلاثاً فكلهم قال لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره انتهى كلام المصنف‏.‏ وقوله وتأوله بعضهم على صورة تكرير لفظ الطلاق الخ هذا البعض الذي أشار إليه هو ابن سريج وقد ارتضى هذا الجواب القرطبي وقال النووي‏:‏ إنه أصح الأجوبة ولا يخفى أن من جاء بلفظ يحتمل التأكيد وادعى أنه نواه يصدق في دعواه ولو في آخر الدهر فكيف بزمن خير القرون ومن يليهم وإن جاء بلفظ لا يحتمل التأكيد لم يصدق إذا ادعى التأكيد من غير فرق بين عصر وعصر ويجاب عن كلام أحمد المذكور بأن المخالفين لطاوس من أصحاب ابن عباس إنما نقلوا عن ابن عباس رأيه وطاوس نقل عنه روايته فلا مخالفة وأما ما قاله ابن المنذر من أنه لا يظن بابن عباس أن يحفظ عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم شيئاً ويفتي بخلافه فيجاب عنه بأن الاحتمالات المسوغة لترك الرواية والعدول إلى الرأي كثيرة منها النسيان ومنها قيام دليل عند الراوي لم يبلغنا ونحن متعبدون بما بلغنا دون ما لم يبلغ‏.‏ وبمثل هذا يجاب عن كلام أبي داود المذكور‏.‏
ومن الأجوبة من حديث ابن عباس المذكور ما نقله البيهقي عن الشافعي أنه قال يشبه أن يكون ابن عباس علم شيئاً نسخ ويجاب بأن النسخ إن كان بدليل من كتاب أو سنة فما هو وإن كان بالإجماع فأين هو على أنه يبعد أن يستمر الناس أيام أبي بكر وبعض أيام عمر على أمر منسوخ وإن كان الناسخ قول عمر المذكور فحاشاه أن ينسخ سنة ثابتة بمحض رأيه وحاشا أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن يجيبوه إلى ذلك‏.‏
ومن الأجوبة دعوى الاضطراب كما زعمه القرطبي في المفهم وهو زعم فاسد لا وجه له‏.‏
ومنها ما قاله ابن العربي أن هذا حديث مختلف في صحته فكيف يقدم على الإجماع ويقال أين الإجماع الذي جعلته معارضاً للسنة الصحيحة‏.‏
ومنها أنه ليس في سياق حديث ابن عباس أن ذلك كان يبلغ النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم حتى يقرره والحجة إنما هي في ذلك وتعقب بأن قول الصحابة كنا نفعل كذا في عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في حكم المرفوع على ما هو الراجح وقد علمتم بمثل هذا في كثير من المسائل الشرعية والحاصل أن القائلين بالتتابع قد استكثروا من الأجوبة على حديث ابن عباس وكلها غير خارجة عن دائرة التعسف والحق أحق بالإتباع فإن كانت تلك المحاماة لأجل مذاهب الأسلاف فهي أحقر وأقل من أن تؤثر على السنة المطهرة وإن كانت لأجل عمر بن الخطاب فأين يقع المسكين من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ثم أي مسلم من المسلمين يستحسن عقله وعلمه ترجيح قول صحابي على قول المصطفى‏.‏
واحتج القائلون بأنه لا يقع شيء لا واحدة ولا أكثر منها بقوله تعالى ‏{‏فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان‏}‏ فشرط في وقوع الثالثة أن تكون في حال يصح من الزوج فيها الإمساك إذ من حق كل مخير بينهما أن يصح كل واحد منهما وإذا لم يصح الإمساك إلا بعد المراجعة لم تصح الثالثة إلا بعدها لذلك وإذا لزم في الثالثة لزم في الثانية كذا قيل وأجيب بمنع كون ذلك يدل على أنه لا يقع الطلاق إلا بعد الرجعة ومن الأدلة الدالة على عدم وقوع شيء الأدلة المتقدمة في الطلاق البدعي واستدلوا أيضاً بحديث‏:‏ ‏(‏من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد‏)‏ وهذا الطلاق ليس عليه أمر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وأجيب بتخصيص هذا العموم بما سبق من أدلة القولين الأولين من الحكم بوقوع الطلاق المثلث لأنا وإن منعنا وقوع المجموع لم نمنع من وقوع الفرد والقائلون بالفرق بين المدخولة وغيرها أعظم حجة لهم حديث ابن عباس فإن لفظه عند أبي داود أما علمت أن الرجل كان إذا طلق امرأته ثلاثاً قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة الحديث ووجهوا ذلك بأن غير المدخول بها تبين إذا قال لها زوجها أنت طالق فإذا قال ثلاثاً لغا العدد لوقوعه بعد البينونة ويجاب بأن التقييد يقبل الدخول لا ينافي صدق الرواية الأخرى الصحيحة على المطلقة بعد الدخول وغاية ما في هذه الرواية أنه وقع فيها التنصيص على بعض أفراد مدلول الرواية الصحيحة المذكورة في الباب وذلك لا يوجب الاختصاص بالبعض الذي وقع التنصيص عليه وأجاب القرطبي عن ذلك التوجيه بأن قوله أنت طالق ثلاثاً كلام متصل غير منفصل فكيف يصح جعله كلمتين وتعطى كل كلمة حكماً هذا حاصل ما في هذه المسألة من الكلام وقد جمعت في ذلك رسالة مختصرة‏.‏
============
باب ما جاء في كلام الهازل والمكره والسكران بالطلاق وغيره
1 -
عن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة‏)‏‏.‏
رواه الخمسة إلا النسائي وقال الترمذي‏:‏ حديث حسن غريب‏.‏
الحديث أخرجه أيضاً الحاكم وصححه وأخرجه الدارقطني وفي إسناده عبد الرحمن بن حبيب بن أزدك وهو مختلف فيه قال النسائي‏:‏ منكر الحديث ووثقه غيره‏.‏ قال الحافظ‏:‏ فهو على هذا حسن‏.‏
وفي الباب عن فضالة بن عبيد عند الطبراني بلفظ‏:‏ ‏(‏ثلاث لا يجوز فيهن اللعب الطلاق والنكاح والعتق‏)‏ وفي إسناده ابن لهيعة وعن عبادة بن الصامت عند الحارث بن أبي أسامة في مسنده رفعه بلفظ‏:‏ ‏(‏لا يجوز اللعب فيهن الطلاق والنكاح والعتاق فمن قالهن فقد وجبن‏)‏ وإسناده منقطع‏.‏
وعن أبي ذر عند عبد الرزاق رفعه‏:‏ ‏(‏من طلق وهو لاعب فطلاقه جائز ومن أعتق وهو لاعب فعتقه جائز ومن نكح وهو لاعب فنكاحه جائز‏)‏ وفي إسناده انقطاع أيضاً‏.‏ وعن علي موقوفاً عند عبد الرزاق أيضاً وعن عمر موقوفاً عنده أيضاً‏.‏
والحديث يدل على أن من تلفظ هازلاً بلفظ نكاح أو طلاق أو رجعة أو عتاق كما في الأحاديث التي ذكرناها وقع منه ذلك أما في الطلاق فقد قال بذلك الشافعية والحنفية وغيرهم وخالف في ذلك أحمد ومالك فقال‏:‏ إنه يفتقر اللفظ الصريح إلى النية وبه قال جماعة من الأئمة منهم الصادق والباقر والناصر واستدلوا بقوله تعالى ‏{‏وإن عزموا الطلاق‏}‏ فدلت على اعتبار العزم والهازل لا عزم منه وأجاب صاحب البحر بالجمع بين الآية والحديث فقال‏:‏ يعتبر العزم في غير الصريح لا في الصريح فلا يعتبر والاستدلال بالآية على تلك الدعوى غير صحيح من أصله فلا يحتاج إلى الجمع فإنها نزلت في حق المولى‏.‏
2 -
وعن عائشة قالت‏:‏ ‏(‏سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول‏:‏ لا طلاق ولا عتاق في إغلاق‏)‏‏.‏
رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه‏.‏
3 -
وفي حديث بريدة في قصة ماعز أنه قال‏:‏ ‏(‏يا رسول اللّه طهرني قال‏:‏ مم أطهرك قال‏:‏ من الزنا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ أبه جنون‏.‏ فأخبر أنه ليس بمجنون فقال‏:‏ أشرب خمراً فقام رجل فاستنكهه فلم يجد منه ريح خمر فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ أزنيت قال‏:‏ نعم فأمر به فرجم‏.‏
رواه مسلم والترمذي وصححه‏.‏
وقال عثمان‏:‏ ليس لمجنون ولا لسكران طلاق‏.‏
وقال ابن عباس‏:‏ طلاق السكران والمستكره ليس بجائز‏.‏
وقال ابن عباس فيمن يكرهه اللصوص فيطلق فليس بشيء‏.‏
وقال علي‏:‏ كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه‏.‏
ذكرهن البخاري في صحيحه‏.‏
3 -
وعن قدامة بن إبراهيم‏:‏ ‏(‏أن رجلاً على عهد عمر بن الخطاب تدلى يشتار عسلاً فأقبلت امرأته فجلست على الحبل فقالت ليطلقها ثلاثاً وإلا قطعت الحبل فذكرها اللّه والإسلام فأبت فطلقها ثلاثاً ثم خرج إلى عمر فذكر ذلك له فقال ارجع إلى أهلك فليس هذا بطلاق‏)‏‏.‏
رواه سعيد بن منصور وأبو عبيد القاسم بن سلام‏.‏
حديث عائشة أخرجه أيضاً أبو يعلى والحاكم والبيهقي وصححه الحاكم وفي إسناده محمد بن عبيد بن أبي صالح وقد ضعفه أبو حاتم الرازي ورواه البيهقي من طريق ليس هو فيها لكن لم يذكر عائشة وزاد أبو داود وغيره ولا عتاق‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في إغلاق‏)‏ بكسر الهمزة وسكون الغين المعجمة وآخره قاف فسره علماء الغريب بالإكراه روى ذلك في التلخيص عن ابن قتيبة والخطابي وابن السيد وغيرهم وقيل الجنون واستبعده المطرزي وقيل الغضب وقع ذلك في سنن أبي داود وفي رواية ابن الأعرابي وكذا فسره أحمد ورده ابن السيد فقال لو كان كذلك لم يقع على أحد طلاق لأن أحداً لا يطلق حتى يغضب وقال أبو عبيدة‏:‏ الإغلاق التضييق وقد استدل بهذا الحديث من قال إنه لا يصح طلاق المكره وبه قال جماعة من أهل العلم حكى ذلك في البحر عن علي وعمر وابن عباس وابن عمر والزبير والحسن البصري وعطاء ومجاهد وطاوس وشريح والأوزاعي والحسن بن صالح والقاسمية والناصر والمؤيد باللّه ومالك والشافعي وحكى أيضاً وقوع طلاق المكره عن النخعي وابن المسيب والثوري وعمر بن عبد العزيز وأبي حنيفة وأصحابه والظاهر ما ذهب إليه الأولون لما في الباب ويؤيد ذلك حديث‏:‏ ‏(‏رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه‏)‏ أخرجه ابن ماجه وابن حبان والدارقطني والطبراني والحاكم في المستدرك من حديث ابن عباس وحسنه النووي وقد أطال الكلام عليه الحافظ في باب شروط الصلاة من التلخيص فليراجع‏.‏ واحتج عطاء بقوله تعالى ‏{‏إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان‏}‏ وقال‏:‏ الشرك أعظم من الطلاق أخرجه سعيد بن منصور عنه بإسناد صحيح‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أبه جنون‏)‏ لفظ البخاري‏:‏ ‏(‏أبك جنون‏)‏ وهذا طرف من حديث يأتي إن شاء اللّه تعالى في الحدود وفيه دليل على أن الإقرار من المجنون لا يصح وكذا سائر التصرفات والإنشاءات ولا أحفظ في ذلك خلافاً‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال أشرب خمرًا‏)‏ فيه دليل أيضاً على أن إقرار السكران لا يصح وكأن المصنف رحمه اللّه تعالى قاس طلاق السكران على إقراره وقد اختلف أهل العلم في ذلك فأخرج ابن أبي شيبة بأسانيد صحيحة عدم وقوع طلاق السكران عن أبي الشعثاء وعطاء وطاوس وعكرمة والقاسم بن محمد وعمر بن عبد العزيز‏.‏
قال في الفتح‏:‏ وبه قال ربيعة والليث وإسحاق والمزني واختاره الطحاوي واحتج بأنهم أجمعوا على أن طلاق المعتوه لا يقع قال والسكران معتوه بسكره وقال بوقوعه طائفة من التابعين كسعيد بن المسيب والحسن وإبراهيم والزهري والشعبي وبه قال الأوزاعي والثوري ومالك وأبو حنيفة وعن الشافعي قولان المصحح منهما وقوعه والخلاف عند الحنابلة وقد حكى القول بالوقوع في البحر عن علي وابن عباس وابن عمر ومجاهد والضحاك وسليمان بن يسار وزيد بن علي والهادي والمؤيد باللّه وحكى القول بعدم الوقوع عن عثمان وجابر بن زيد ورواية عن ابن عباس والناصر وأبي طالب والبتي وداود‏.‏
احتج القائلون بالوقوع بقوله تعالى ‏{‏لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى‏}‏ ونهيهم حال السكر عن قربان الصلاة يقتضي عدم زوال التكليف وكل مكلف يصح منه الطلاق وغيره من العقود والإنشاءات وأجيب بأن النهي في الآية المذكورة إنما هو من أصل السكر الذي يلزم منه قربان الصلاة كذلك‏.‏ وقيل إنه نهي يشمل الذي يعقل الخطاب وأيضاً قوله في آخر الآية ‏{‏حتى تعلموا ما تقولون‏}‏ دليل على أن السكران يقول ما لا يعلم ومن كان كذلك فكيف يكون مكلفاً وهو غير فاهم شرط التكليف كما تقرر في الأصول‏.‏
واحتجوا ثانياً بأنه عاص بفعله فلا يزول عنه الخطاب بالسكر ولا الإثم لأنه يؤمر بقضاء الصلوات وغيرها مما وجب عليه قبل وقوعه في السكر وأجاب الطحاوي بأنها لا تختلف أحكام فاقد العقل بين أن يكون ذهاب عقله بسبب من جهته أو من جهة غيره إذ لا فرق بين من عجز عن القيام في الصلاة بسبب من قبل اللّه أو من قبل نفسه كمن كسر رجل نفسه فإنه يسقط عنه فرض القيام وتعقب بأن القيام انتقل إلى بدل وهو القعود فافترقا وأجاب ابن المنذر عن الاحتجاج بقضاء الصلوات بأن النائم يجب عليه قضاء الصلاة ولا يقع طلاقه لأنه غير مكلف حال نومه بلا نزاع‏.‏
واحتجوا ثالثاً بأن ربط الأحكام بأسبابها أصل من الأصول المأنوسة في الشريعة والتطليق سبب للطلاق فينبغي ترتيبه عليه وربطه به وعدم الاعتداد بالسكر كما في الجنايات وأجيب بالاستفسار عن السبب للطلاق هل هو إيقاع لفظه مطلقاً إن قلتم نعم لزمكم أن يقع من المجنون والنائم والسكران الذي لم يعص بسكره إذا وقع من أحدهم لفظ الطلاق وإن قلتم أنه إيقاع اللفظ من العاقل الذي يفهم ما يقول فالسكران غير عاقل ولا فاهم فلا يكون إيقاع لفظ الطلاق منه سبباً‏.‏
واحتجوا رابعاً بأن الصحابة رضي اللّه عنهم جعلوه كالصاحي ويجاب بأن ذلك محل خلاف بين الصحابة كما بينا ذلك في أول الكلام وكما ذكره المصنف عن عثمان وابن عباس فلا يكون قول بعضهم حجة علينا كما لا يكون حجة على بعضهم بعضاً‏.‏
واحتجوا خامسًا بأن عدم وقوع الطلاق من السكران مخالف للمقاصد الشرعية لأنه إذا فعل حراماً واحداً لزمه حكمه فإذا تضاعف جرمه بالسكر وفعل المحرم الآخر سقط عنه الحكم مثلاً لو أنه ارتد بغير سكر لزمه حكم الردة فإذا جمع بين السكر والردة لم يلزمه حكم الردة لأجل السكر ويجاب بأنا لم نسقط عنه حكم المعصية الواقعة منه حال السكر لنفس فعله للمحرم الآخر وهو السكر فإن ذلك مما لا يقول به عاقل وإنما أسقطنا عنه حكم المعصية لعدم مناط التكليف وهو العقل وبيان ذلك أنه لو شرب الخمر ولم يزل عقله كان حكمه حكم الصاحي فلم يكن فعله لمعصية الشرب هو المسقط‏.‏ ومن الأدلة الدالة على عدم الوقوع ما في صحيح البخاري وغيره أن حمزة سكر وقال للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لما دخل عليه هو وعلي وهل أنتم إلا عبيد لأبي في قصة مشهورة فتركه صلى اللّه عليه وآله وسلم وخرج ولم يلزمه حكم تلك الكلمة مع أنه لو قالها غير سكران لكان كفراً كما قال ابن القيم‏.‏ وأجيب بأن الخمر كانت إذ ذاك مباحة والخلاف إنما هو بعد تحريمها‏.‏ وحكى الحافظ في الفتح عن ابن بطال أنه قال‏:‏ الأصل في السكران العقل والسكر شيء طرأ على عقله فمهما وقع منه من كلام مفهوم فهو محمول على الأصل حتى يثبت فقدان عقله انتهى‏.‏
والحاصل أن السكران الذي لا يعقل لا حكم لطلاقه لعدم المناط الذي تدور عليه الأحكام وقد عين الشارع عقوبته فليس لنا أن نجاوزها برأينا ونقول يقع طلاقه عقوبة له فيجمع له بين غرمين ‏(‏لا يقال‏)‏ إن ألفاظ الطلاق ليست من الأحكام التكليفية بل من الأحكام الوضعية وأحكام الوضع لا يشترط فيها التكليف لأنا نقول الأحكام الوضعية تقيد بالشروط كما تقيد الأحكام التكليفية وأيضاً السبب الوضعي هو طلاق العاقل لا مطلق الطلاق بالاتفاق وإلا لزم وقوع طلاق المجنون‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال عثمان‏)‏ الخ علقه البخاري ووصله ابن أبي شيبة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس‏)‏ الخ وصله ابن أبي شيبة أيضاً وسعيد بن منصور‏.‏ وأثر على وصله البغوي في الجعديات وسعيد بن منصور وقد ساق البخاري في صحيحه آثاراً عن جماعة من الصحابة والتابعين‏.‏ وأثر عمر بن الخطاب في قصة الرجل الذي تدلى ليشتار عسلاً إسناده منقطع لأن الراوي له عن عمر عبد الملك بن قدامة بن محمد بن إبراهيم بن حاطب الجمحي عن أبيه قدامة وقدامة لم يدرك عمر وقد روي ما يعارضها أخرج العقيلي من حديث صفوان بن عمران الطائي‏:‏ ‏(‏أن امرأة أخذت المدية ووضعتها على نحر زوجها وقالت إن لم تطلقني نحرتك بهذه فطلقها ثم استقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم الطلاق فقال صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ لا قيلولة في الطلاق‏)‏ وقد تفرد به صفوان وحمله بعضهم على من نوى الطلاق‏.‏
باب ما جاء في طلاق العبد
1 -
عن ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏أتى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم رجل فقال‏:‏ يا رسول اللّه سيدي زوجني أمته وهو يريد أن يفرق بيني وبينها قال‏:‏ فصعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم المنبر فقال‏:‏ يا أيها الناس ما بال أحدكم يزوج عبده أمته ثم يريد أن يفرق بينهما إنما الطلاق لمن أخذ بالساق‏)‏‏.‏
رواه ابن ماجه والدارقطني‏.‏
2 -
وعن عمر بن معتب‏:‏ ‏(‏أن أبا حسن مولى بني نوفل أخبره أنه استفتى ابن عباس في مملوك تحته مملوكة فطلقها تطليقتين ثم عتقا هل يصح له أن يخطبها قال‏:‏ نعم قضى بذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏)‏‏.‏
رواه الخمسة إلا الترمذي‏.‏
وفي رواية‏:‏ ‏(‏بقيت لك واحدة قضى بها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏)‏ رواه أبو داود‏.‏
وقال ابن المبارك ومعمر‏:‏ لقد تحمل أبو حسن هذا صخرة عظيمة وقال أحمد بن حنبل في رواية ابن منصور في عبد تحته مملوكة فطلقها تطليقتين ثم عتقا يتزوجها ويكون على واحدة على حديث عمر بن معتب وقال في رواية أبي طالب في هذه المسألة يتزوجها ولا يبالي في العدة عتقاً أو بعد العدة قال وهو قول ابن عباس وجابر بن عبد اللّه وأبي سلمة وقتادة‏.‏
حديث ابن عباس أخرجه أيضاً الطبراني وابن عدي وفي إسناد ابن ماجه ابن لهيعة وكلام الأئمة فيه معروف وفي إسناد الطبراني يحيى الحماني وهو ضعيف وفي إسناد ابن عدي والدارقطني عصمة بن مالك كذا قيل وفي التقريب إنه صحابي وطرقه يقوي بعضها بعضاً‏.‏
وقال ابن القيم‏:‏ إن حديث ابن عباس وإن كان في إسناده ما فيه فالقرآن يعضده وعليه عمل الناس وأراد بقوله القرآن يعضده نحو قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن‏}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إذا طلقتم النساء‏}‏ الآية‏.‏
وحديث عمر بن معتب أخرجه أيضاً النسائي وابن ماجه وقد ذكر أبو الحسن المذكور بخير وصلاح ووثقه أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان غير أن الراوي عنه عمر بن معتب وقد قال علي بن المديني‏:‏ إنه منكر الحديث وسئل عنه أيضاً فقال‏:‏ مجهول لم يرو عنه غير يحيى بن أبي كثير وقال النسائي‏:‏ ليس بالقوي وقال الأمير أبو نصر‏:‏ منكر الحديث وقال الذهبي‏:‏ لا يعرف‏.‏ ومعتب بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد المثناة الفوقية وكسرها وبعدها باء موحدة‏.‏
وقد استدل بحديث ابن عباس المذكور من قال إن طلاق امرأة العبد لا يصح إلا منه لا من سيده وروي عن ابن عباس أنه يقع طلاق السيد على عبده والحديث المروي من طريقه حجة عليه وابن لهيعة ليس بساقط الحديث فإنه إمام حافظ كبير ولهذا أورده الذهبي في تذكرة الحفاظ وقال أحمد بن حنبل من كان مثل ابن لهيعة بمصر في كثرة حديثه وضبطه وإتقانه‏.‏ وقال أحمد بن صالح‏:‏ كان ابن لهيعة صحيح الكتاب طلاباً للعلم وقال يحيى بن القطان وجماعة‏:‏ إنه ضعيف‏.‏ وقال ابن معين‏:‏ ليس بذاك القوي وهذا جرح مجمل لا يقبل عند بعض أئمة الجرح والتعديل‏.‏ وقد قيل إن السبب في تضعيفه احتراق كتبه وأنه بعد ذلك حدث من حفظه فخلط وأن من حدث عنه قبل احتراق كتبه كابن المبارك وغيره حديثهم عنه قوي وبعضهم يصححه وهذا التفصيل هو الصواب وقال الذهبي‏:‏ إنها تؤدى أحاديثه في المتابعات ولا يحتج به‏.‏
وأما يحيى الحماني فقال في التذكرة‏:‏ وثقه يحيى بن معين وقال ابن عدي‏:‏ أرجو أنه لا بأس به‏.‏ وقال ابن حبان‏:‏ يكذب جهاراً ويسرق الأحاديث واستدل أيضاً بحديث ابن عباس الثاني أيضاً أن العبد يملك من الطلاق ثلاثاً كما يملك الحر وقال الشافعي‏:‏ إنه لا يملك من الطلاق إلا اثنتين حرة كانت زوجته أو أمة وقال أبو حنيفة والناصر‏:‏ إنه لا يملك في الأمة إلا اثنتين لا في الحرة فكالحر‏.‏
واستدلوا بحديث ابن مسعود الطلاق بالرجال والعدة بالنساء عند الدارقطني والبيهقي وأجيب بأنه موقوف‏.‏ قالوا أخرج الدارقطني والبيهقي أيضاً عن ابن عباس نحوه وأجيب بأنه موقوف أيضاً وكذلك روى نحوه أحمد من حديث علي وهو أيضاً موقوف قالوا أخرج ابن ماجه والدارقطني والبيهقي من حديث ابن عمر مرفوعًا‏:‏ ‏(‏طلاق الأمة اثنتان وعدتها حيضتان‏)‏ وأجيب بأن في إسناده عمر بن شبيب وعطية العوفي وهما ضعيفان‏.‏ وقال الدارقطني والبيهقي‏:‏ الصحيح أنه موقوف قالوا في السنن نحوه من حديث عائشة وأجيب بأن في إسناده مظاهر بن أسلم قال الترمذي‏:‏ حديث عائشة هذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث مظاهر بن أسلم ومظاهر لا يعرف له في العلم غير هذا الحديث والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وهو قول سفيان الثوري والشافعي وإسحاق انتهى‏.‏
لا يقال هذه الطرق تقوى على تخصيص عموم الطلاق مرتان وغيرها من العمومات الشاملة للحر والعبد لأنا نقول قد دل على أن ذلك العموم مراد غير مخرج منه العبد حديث ابن عباس المذكور في الباب فهو معارض لما دل على أن طلاق العبد ثنتان‏.‏
باب من علق الطلاق قبل النكاح
1 -
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ لا نذر لابن آدم فيما لا يملك ولا عتق له فيما لا يملك ولا طلاق له فيما لا يملك‏)‏‏.‏
رواه أحمد والترمذي وقال‏:‏ حديث حسن وهو أحسن شيء روي في هذا الباب وأبو داود وقال فيه‏:‏ ‏(‏ولا وفاء نذر إلا فيما يملك‏)‏ ولابن ماجه منه‏:‏ ‏(‏لا طلاق فيما لا يملك‏)‏‏.‏
2 -
وعن مسور بن مخرمة‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ لا طلاق قبل نكاح ولا عتق قبل ملك‏)‏‏.‏
رواه ابن ماجه‏.‏
-
حديث عمرو بن شعيب أخرجه بقية أهل السنن والبزار والبيهقي وقال‏:‏ هو أصح شيء في هذا الباب وأشهر‏.‏
وحديث المسور حسنه الحافظ في التلخيص ولكنه اختلف فيه على الزهري فروى عنه عن عروة عن المسور وروى عنه عن عروة عن عائشة وفي الباب عن أبي بكر الصديق وأبي هريرة وأبي موسى الأشعري وأبي سعيد الخدري وعمران بن حصين وغيرهم ذكر ذلك البيهقي في الخلافيات - وفي الباب - أيضاً عن جابر مرفوعاً بلفظ‏:‏ ‏(‏لا طلاق إلا بعد نكاح ولا عتق إلا بعد ملك‏)‏ أخرجه الحاكم في المستدرك وصححه وقال‏:‏ وأنا متعجب من الشيخين كيف أهملاه وقد صح على شرطهما من حديث ابن عمر وعائشة وعبد اللّه بن عباس ومعاذ بن جبل وجابر انتهى‏.‏
وحديث ابن عمر أخرجه أيضاً ابن عدي ووثق إسناده الحافظ وقال ابن صاعد‏:‏ غريب لا أعرف له علة‏.‏
وحديث عائشة قال ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه‏:‏ حديث منكر‏.‏
وحديث ابن عباس في إسناده عند الحاكم من لا يعرف وله طريق أخرى عند الدارقطني وفي إسناده ضعيف‏.‏
وحديث معاذ أعل بالإرسال وله طريق أخرى عند الدارقطني وفيها انقطاع وفي إسناده أيضاً يزيد بن عياض وهو متروك‏.‏
وحديث جابر صحح الدارقطني إرساله وأعله ابن معين وغيره وفي الباب أيضاً عن علي عند البيهقي وغيره ومداره على جوبير وهو متروك ورواه ابن الجوزي من طريق أخرى عنه وفيها عبد اللّه بن زياد بن سمعان وهو متروك وله طريق أخرى في الطبراني وقال ابن معين‏:‏ لا يصح عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏لا طلاق قبل نكاح‏)‏ وأصح شيء فيه حديث ابن المنكدر عمن سمع طاوساً عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم مرسلاً‏.‏ وقال ابن عبد البر في الاستذكار‏:‏ روي من وجوه إلا أنها عند أهل العلم بالحديث معلولة انتهى‏.‏
ولا يخفى عليك أن مثل هذه الروايات التي سقناها في الباب من طريق أولئك الجماعة من الصحابة مما لا يشك منصف أنها صالحة بمجموعها للاحتجاج وقد وقع الإجماع على أنه لا يقع الطلاق الناجز على الأجنبية وأما التعليق نحو أن يقول إن تزوجت فلانة فهي طالق فذهب جمهور الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى أنه لا يقع‏.‏ وحكى عن أبي حنيفة وأصحابه والمؤيد باللّه في أحد قوليه إنه لا يصح التعليق مطلقاً وذهب مالك في المشهور عنه وربيعة والثوري والليث والأوزاعي وابن أبي ليلى إلى التفصيل وهو أنه إن جاء بحاصر نحو أن يقول كل امرأة أتزوجها من بني فلان أو بلد كذا فهي طالق صح الطلاق ووقع وإن عمم لم يقع شيء وهذا التفصيل لا وجه له إلا مجرد الاستحسان كما أنه لا وجه للقول بإطلاق الصحة والحق أنه لا يصح الطلاق قبل النكاح مطلقاً للأحاديث المذكورة في الباب وكذا العتق قبل الملك والنذر بغير الملك‏.‏
باب الطلاق بالكنايات إذا نواه بها وغير ذلك
1 -
عن عائشة قالت‏:‏ ‏(‏خيرنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فاخترناه فلم يعدها شيئاً‏)‏‏.‏
رواه الجماعة‏.‏
وفي رواية‏:‏ ‏(‏قالت‏:‏ لما أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بتخيير أزواجه بدأ بي فقال إني ذاكر لك أمراً فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمر أبويك قالت‏:‏ وقد علم أن أبويَّ لم يكونا ليأمراني بفراقه قالت ثم قال إن اللّه عز وجل قال لي ‏{‏يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا‏}‏ الآية ‏{‏وإن كنتن تردن اللّه ورسوله والدار الآخرة‏}‏ الآية قالت‏:‏ فقلت في هذا أستأمر أبويَّ فإني أريد اللّه ورسوله والدار الآخرة قالت‏:‏ ثم فعل أزواج رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم مثل ما فعلت‏)‏‏.‏ رواه الجماعة إلا أبو داود‏.‏
-
قوله‏:‏ ‏(‏خيرنا‏)‏ في لفظ لمسلم‏:‏ ‏(‏خير نساءه‏)‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلم يعدها شيئاً‏)‏ بتشديد الدال المهملة وضم العين من العدد‏.‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏فلم يعدد‏)‏ بفك الإدغام وفي أخرى ‏(‏فلم يعتد‏)‏ بسكون العين وفتح المثناة وتشديد الدال من الاعتداد‏.‏ وفي رواية لمسلم‏:‏ ‏(‏فلم يعده طلاقاً‏)‏ وفي رواية للبخاري أفكان طلاقاً على طريقة الاستفهام الإنكاري‏.‏ وفي رواية لأحمد فهل كان طلاقاً وكذا للنسائي‏.‏
وقد استدل بهذا من قال إنه لا يقع بالتخيير شيء إذا اختارت الزوج وبه قال جمهور الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار لكن اختلفوا فيما إذا اختارت نفسها هل يقع طلقة واحدة رجعية أو بائنة أو يقع ثلاثاً فحكى الترمذي عن علي عليه السلام أنها إن اختارت نفسها فواحدة بائنة وإن اختارت زوجها فواحدة رجعية وعن زيد بن ثابت إن اختارت نفسها فثلاث وإن اختارت زوجها فواحدة بائنة‏.‏ وعن عمرو بن مسعود إن اختارت نفسها فواحدة بائنة وعنهما رجعية وإن اختارت زوجها فلا شيء ويؤيد قول الجمهور من حيث المعنى أن التخيير ترديد بين شيئين فلو كان اختيارها لزوجها طلاقاً لاتحدا فدل على أن اختيارها لنفسها بمعنى الفراق واختيارها لزوجها بمعنى البقاء في العصمة وقد أخرج ابن أبي شيبة من طريق زاذان قال‏:‏ ‏(‏كنا جلوساً عند علي عليه السلام فسئل عن الخيار فقال‏:‏ سألني عنه عمر فقلت إن اختارت نفسها فواحدة رجعية قال ليس كما قلت إن اختارت نفسها فواحدة بائنة وإن اختارت زوجها فواحدة رجعية قال ليس كما قلت إن اختارت زوجها فلا شيء قال فلم أجد بداً من متابعته فلما وليت رجعت إلى ما كنت أعرف قال علي وأرسل عمر إلى زيد بن ثابت قال فذكر مثل ما حكاه عنه الترمذي وأخرج ابن أبي شيبة من طريق علي نظير ما حكاه عنه زاذان من اختياره وأخذ مالك بقول زيد بن ثابت واحتج بعض أتباعه لكونها إذا اختارت نفسها يقع ثلاثاً بأن معنى الخيار بت أحد الأمرين إما الأخذ أو الترك فلو قلنا إذا اختارت نفسها يكون طلقة رجعية لم يعمل بمقتضى اللفظ لأنها تكون بعد في أسر الزوج وتكون كمن خير بين شيئين فاختار غيرهما وأخذ أبو حنيفة بقول عمر وابن مسعود فيما إذا اختارت نفسها فواحدة بائنة وقال الشافعي التخيير كناية فإذا خير الزوج امرأته وأراد بذلك تخييرها بين أن تطلق منه وبين أن تستمر في عصمته فاختارت نفسها وأرادت بذلك الطلاق طلقت فلو قالت لم أرد باختيار نفسي الطلاق صدقت‏.‏
وقال الخطابي‏:‏ يؤخذ من قول عائشة فاخترناه فلم يكن ذلك طلاقاً أنها لو اختارت نفسها لكان ذلك طلاقاً ووافقه القرطبي في المفهم فقال‏:‏ في الحديث إن المخيرة إذا اختارت نفسها أن نفس ذلك الاختيار يكون طلاقاً من غير احتياج إلى نطق بلفظ يدل على الطلاق قال وهو مقتبس من مفهوم قول عائشة المذكور‏.‏ قال الحافظ‏:‏ لكن الظاهر من الآية أن ذلك بمجرده لا يكون طلاقاً بل لا بد من إنشاء الزوج الطلاق لأن فيها ‏{‏فتعالين أمتعكن وأسرحكن‏}‏ أي بعد الاختيار ودلالة المنطوق مقدمة على دلالة المفهوم‏.‏ واختلفوا في التخيير هل هو بمعنى التمليك أو بمعنى التوكيل وللشافعي فيه قولان المصحح عند أصحابه أنه تمليك وهو قول المالكية بشرط المبادرة منها حتى لو تراخت بمقدار ما ينقطع القبول عن الإيجاب ثم طلقت لم يقع وفي وجه لا يضر التأخير ما دام المجلس وبه جزم ابن القاص وهو الذي رجحته المالكية والحنفية والهادوية وهو قول الثوري والليث والأوزاعي وقال ابن المنذر‏:‏ الراجح أنه لا يشترط فيه الفور بل متى طلقت نفذ وهو قول الحسن والزهري وبه قال أبو عبيدة ومحمد بن نصر من الشافعية والطحاوي من الحنفية واحتجوا بما في حديث الباب من قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم لعائشة إني ذاكر لك أمراً فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك وذلك يقتضي عدم اشتراط الفور في جواب التخيير‏.‏
قال الحافظ‏:‏ ويمكن أن يقال يشترط الفور إلا أن يقع التصريح من الزوج بالفسحة لأمر يقتضي ذلك فيتراخى كما وقع في قصة عائشة ولا يلزم من ذلك أن يكون كل خيار كذلك‏.‏
2 -
وعن عائشة‏:‏ ‏(‏أن ابنة الجون لما أدخلت على رسول صلى اللّه عليه وآله وسلم ودنا منها قالت أعوذ باللّه منك فقال لها لقد عذت بعظيم الحقي بأهلك‏)‏‏.‏
رواه البخاري وابن ماجه والنسائي وقال الكلابية بدل ابنة الجون‏.‏
وقد تمسك به من يرى لفظة الخيار والحقي بأهلك واحدة لا ثلاثاً لأن جمع الثلاث يكره فالظاهر أنه عليه السلام لا يفعله‏.‏
3 -
وفي حديث تخلف كعب بن مالك قال‏:‏ ‏(‏لما مضت أربعون من الخمسين واستلبث الوحي وإذا رسول رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يأتيني فقال‏:‏ إن رسول اللّه يأمرك أن تعتزل امرأتك فقلت أطلقها أم ماذا أفعل قال بل اعتزلها فلا تقربنها قال فقلت لامرأتي الحقي بأهلك‏)‏‏.‏
متفق عليه‏.‏
ويذكر فيمن قال لزوجته أنت طالق هكذا وأشار بأصابعه‏.‏
4 -
ما روي عن ابن عمر قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم الشهر هكذا وهكذا وهكذا يعني ثلاثين ثم قال‏:‏ وهكذا وهكذا وهكذا يعني تسعاً وعشرين يقول مرة ثلاثين ومرة تسعة وعشرين‏)‏‏.‏
متفق عليه‏.‏
5 -
ويذكر في مسألة من قال لغير مدخول بها أنت طالق وطالق أو طالق ثم طالق ما روى حذيفة قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ لا تقولوا ما شاء اللّه وشاء فلان وقولوا ما شاء اللّه ثم شاء فلان‏)‏‏.‏
رواه أحمد وأبو داود‏.‏ ولابن ماجه معناه‏.‏
6 -
وعن قتيلة بنت صيفي قالت‏:‏ ‏(‏أتى حبر من الأخبار إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏ يا محمد نعم القوم أنتم لولا أنكم تجعلون للّه نداً قال‏:‏ سبحان اللّه وما ذاك قال‏:‏ تقولون ما شاء اللّه وشئت قال‏:‏ فأمهل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم شيئاً ثم قال‏:‏ إنه قد قال فمن قال ما شاء اللّه فليفصل بينهما ثم شئت‏)‏‏.‏
رواه أحمد‏.‏
7 -
وعن عدي بن حاتم‏:‏ ‏(‏أن رجلاً خطب عند النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏ من يطع اللّه ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ بئس الخطيب أنت قل ومن يعص اللّه ورسوله‏)‏‏.‏
رواه أحمد ومسلم والنسائي‏.‏
8 -
ويذكر فيمن طلق بقلبه ما روى أبو هريرة قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ إن اللّه تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تكلم به‏)‏‏.‏
متفق عليه‏.‏
-
حديث حذيفة أخرجه أيضاً النسائي وابن أبي شيبة والطبراني والبيهقي وقد ساقه الحازمي في الاعتبار بإسناده وذكر فيه قصة وهي‏:‏ ‏(‏أن رجلاً من المسلمين رأى في النوم أنه لقي رجلاً من أهل الكتاب فقال نعم القوم أنتم لولا أنكم تشركون قال تقولون ما شاء اللّه وشاء محمد فذكر ذلك للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال لهم‏:‏ واللّه إن كنت لأعرفها لكم قولوا ما شاء اللّه ثم شاء محمد‏)‏ وأخرج أيضاً بإسناده إلى الطفيل بن سخيرة أخي عائشة لأمها أنه قال‏:‏ ‏(‏رأيت فيما يرى النائم كأني أتيت على رهط من اليهود فقلت من أنتم فقالوا نحن اليهود فقلت إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون عزير بن اللّه قالوا وأنتم القوم لولا أنكم تقولون ما شاء اللّه وشاء محمد ثم أتيت على رهط من النصارى فقلت من أنتم فقالوا نحن النصارى فقلت إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون المسيح بن اللّه فقالوا وأنتم القوم لولا أنكم تقولون ما شاء اللّه وشاء محمد فلما أصبح أخبر بها من أخبر ثم أخبر بها النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال هل أخبرت بها أحداً قال نعم فقام رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم خطيباً فحمد اللّه وأثنى عليه ثم قال‏:‏ أما بعد فإن طفيلاً رأى رؤيا فأخبر بها من أخبر منكم وإنكم لتقولون الكلمة يمنعني الحياء منكم أن أنهاكم عنها فلا تقولوا ما شاء اللّه وشاء محمد‏)‏‏.‏
وأخرج أيضاً بإسناده المتصل بابن عباس قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ إذا حلف أحدكم فلا يقول ما شاء اللّه وشئت ولكن ليقل ما شاء اللّه ثم شئت‏)‏‏.‏
وأخرج أيضاً بإسناده إلى عائشة أنها قالت‏:‏ ‏(‏قالت اليهود نعم القوم قوم محمد لولا أنهم يقولون ما شاء اللّه وشاء محمد فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ لا تقولوا ما شاء اللّه وشاء محمد ولكن قولوا ما شاء اللّه وحده‏)‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن ابنة الجون‏)‏ قيل هي الكلابية واختلف في اسمها فقال ابن سعد‏:‏ اسمها فاطمة بنت الضحاك بن سفيان وروى عن الكلبي أنها عالية بنت ظبيان بن عمرو وحكى ابن سعد أيضاً أن اسمها عمرة بنت يزيد بن عبيد وقيل بنت يزيد بن الجون وأشار ابن سعد أيضاً إلى أنها واحدة اختلف في اسمها‏.‏ قال الحافظ‏:‏ والصحيح أن التي استعاذت منه هي الجونية واسمها أميمة بنت النعمان بن شراحيل وذكر ابن سعد أنها لم تستعذ منه امرأة غيرها‏.‏
قال ابن عبد البر‏:‏ أجمعوا على أن التي تزوجها هي الجونية واختلفوا في سبب فراقه لها فقال قتادة‏:‏ لما دخل عليها دعاها فقالت تعال أنت فطلقها وقيل‏:‏ كان بها وضح وزعم بعضهم أنها قالت أعوذ باللّه منك فقال قد عذت بمعاذ وقد أعاذك اللّه مني فطلقها قال‏:‏ وهذا باطل إنما قال له هذا امرأة من بني العنبر وكانت جميلة فخاف نساؤه أن تغلبهن عليه فقلن لها إنه يعجبه أن يقال له نعوذ باللّه منك ففعلت فطلقها‏.‏ قال الحافظ‏:‏ وما أدري لم حكم ببطلان ذلك مع كثرة الروايات الواردة فيه وثبوته في حديث عائشة في صحيح البخاري‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إلحقي بأهلك‏)‏ بكسر الهمزة من الحقي وفتح الحاء وفيه دليل على أن من قال لامرأته الحقي بأهلك وأراد الطلاق طلقت فإن لم يرد الطلاق لم تطلق كما وقع في حديث تخلف كعب المذكور فيكون هذا اللفظ من كنايات الطلاق لأن الصريح لا يفتقر إلى النية على ما ذهب إليه الشافعية والحنفية وأكثر العترة‏.‏ وذهب الباقر والصادق والناصر ومالك إلى أنه يفتقر إلى نية‏.‏ وحديث ابن عمر في إخباره صلى اللّه عليه وآله وسلم بعدد الشهر قد تقدم في باب ما جاء في يوم الغيم والشك من كتاب الصيام وتقدم شرحه هنالك‏.‏ وإنما أورده المصنف ههنا للاستدلال به على صحة العدد بالإشارة بالأصابع واعتباره من دون تلفظ باللسان فإذا قال الرجل لزوجته أنت طالق هكذا وأشار بثلاث من أصابعه كان ذلك ثلاثاً عند من يقول إن الطلاق يتبع الطلاق‏.‏
وأورد حديث حذيفة وحديث قتيلة للاستدلال بهما على أن من قال لزوجته التي لم يدخل بها أنت طالق وطالق كان كالطلقة الواحدة لأن المحل لا يقبل غيرها فتكون الثانية لغواً بخلاف ما لو قال أنت طالق ثم طالق وقعت عليها الطلقة الأولى في الحال ووقعت عليها الثانية بعد أن تصير قابلة لها وذلك لأن الواو لمطلق الجمع فكأنه إذا جاء بها موقع لمجموع الطلاقين عليها في حالة واحدة بخلاف ثم فإنها للترتيب مع تراخ فيصير الزوج في حكم الموقع لطلاق بعده طلاق متراخ عنه‏.‏ ولهذا قال الشافعي في سبب نهيه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن قول الرجل ما شاء اللّه وشئت وأذنه له بأن يقول ما شاء اللّه ثم شاء فلان أن المشيئة إرادة اللّه تعالى قال اللّه عز وجل‏:‏ ‏{‏وما تشاؤون إلا أن يشاء اللّه‏}‏ قال‏:‏ فأعلم اللّه خلقه أن المشيئة له دون خلقه وأن مشيئتهم لا تكون إلا أن يشاء اللّه فيقال لرسوله ما شاء اللّه ثم شئت ولا يقال ما شاء اللّه وشئت انتهى‏.‏ ولكنه يعارض هذا الاستنباط حديث عدي بن حاتم الذي ذكره المصنف في الرجل الذي خطب بحضرته صلى اللّه عليه وآله وسلم فإنه أنكر عليه الجمع بين الضميرين وأرشده إلى أن يقول ومن يعص اللّه ورسوله فدل على أن توسيط الواو بين اللّه ورسوله له حكم غير حكم قوله ومن يعصهما ولو كانت الواو لمطلق الجمع لم يكن بين العبارتين فرق‏.‏
وقد قدمنا الكلام على علة هذا النهي عند الكلام على حديث ابن مسعود في باب اشتمال الخطبة على حمد اللّه من أبواب الجمعة هذا ما ظهر في بيان وجه استدلال المصنف بحديثي المشيئة وحديث الخطبة ويمكن أن يكون مراد المصنف بإيراد الأحاديث المذكورة مجرد التنظير لا الاستدلال وقد قدمنا أن الطلاق المتعدد سواء كان بلفظ واحد أو ألفاظ من غير فرق بين أن يكون العطف بثم أو بالواو أو بغيرهما يكون طلقة واحدة سواء كانت الزوجة مدخولة أو غير مدخولة وأورد حديث أبي هريرة للاستدلال به على أن من طلق زوجته بقلبه ولم يلفظ بلسانه لم يكن لذلك حكم الطلاق لأن خطرات القلب مغفورة للعباد إذا كانت فيما فيه ذنب فكذلك لا يلزم حكمها في الأمور المباحة فلا يكون حكم خطور الطلاق بالقلب أو إرادته حكم التلفظ به وهكذا سائر الإنشاءات قال الترمذي بعد إخراج هذا الحديث ما لفظه‏:‏ والعمل على هذا عند أهل العلم أن الرجل إذا حدث نفسه بالطلاق لم يكن شيء حتى يتكلم به انتهى‏.‏ وحكى في البحر عن عكرمة أنه يقع بمجرد النية‏.‏
============================================================================
كتاب الخلع
1 -
عن ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏جاءت امرأة ثابت بن قيس بن شماس إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقالت‏:‏ يا رسول اللّه إني ما أعتب عليه في خلق ولا دين ولكني أكره الكفر في الإسلام فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ أتردين عليه حديقته قالت‏:‏ نعم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ اقبل الحديقة وطلقها تطليقة‏)‏‏.‏
رواه البخاري والنسائي‏.‏
2 -
وعن ابن عباس‏:‏ ‏(‏أن جميلة بنت سلول أتت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقالت‏:‏ واللّه ما أعتب على ثابت في دين ولا خلق ولكني أكره الكفر في الإسلام لا أطيقه بغضاً فقال لها النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ أتردين عليه حديقته قالت‏:‏ نعم فأمره رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن يأخذ منها حديقته ولا يزداد‏)‏‏.‏
رواه ابن ماجه‏.‏
3 -
وعن الربيع بنت معوذ‏:‏ ‏(‏أن ثابت بن قيس بن شماس ضرب امرأته فكسر يدها وهي جميلة بنت عبد اللّه بن أبيّ فأتى أخوها يشتكيه إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فأرسل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إلى ثابت فقال له‏:‏ خذ الذي لها عليك وخل سبيلها قال‏:‏ نعم فأمرها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن تتربص حيضة واحدة وتلحق بأهلها‏)‏‏.‏
رواه النسائي‏.‏
4 -
وعن ابن عباس‏:‏ ‏(‏أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت من زوجها فأمرها النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أن تعتد بحيضة‏)‏‏.‏
رواه أبو داود والترمذي وقال‏:‏ حديث حسن غريب‏.‏
5 -
وعن الربيع بنت معوذ‏:‏ ‏(‏أنها اختلعت على عهد رسول اللّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فأمرها النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أو أمرت أن تعتد بحيضة‏)‏‏.‏
رواه الترمذي وقال‏:‏ حديث الربيع الصحيح أنها أمرت أن تعتد بحيضة‏.‏
6 -
وعن أبي الزبير‏:‏ ‏(‏أن ثابت بن قيس بن شماس كانت عنده بنت عبد اللّه بن أبي بن سلول وكان أصدقها حديقة فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ أتردين عليه حديقته التي أعطاك قالت‏:‏ نعم وزيادة فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ أما الزيادة فلا ولكن حديقته قالت‏.‏ نعم‏.‏ فأخذها له وخلى سبيلها فلما بلغ ذلك ثابت بن قيس قال‏:‏ قد قبلت قضاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏)‏‏.‏
رواه الدارقطني بإسناد صحيح وقال‏:‏ سمعه أبو الزبير من غير واحد‏.‏
حديث ابن عباس الثاني رواه ابن ماجه من طريق أزهر بن مروان وهو صدوق مستقيم الحديث وبقية إسناده من رجال الصحيح‏.‏ وقد أخرجه النسائي وأخرجه أيضاً البيهقي‏.‏
وحديث الربيع بنت معوذ الأول إسناده في سنن النسائي هكذا حدثنا أبو علي محمد بن يحيى المروزي أخبرني شاذان بن عثمان أخو عبدان حدثنا أبي حدثنا علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير أخبرني محمد بن عبد الرحمن أن الربيع بن معوذ بن عفراء أخبرته أن ثابت بن قيس الحديث ومحمد بن يحيى ثقة وشاذان هو عبد العزيز بن عثمان بن جبلة وهو من رجال الصحيح هو وأبوه وكذلك علي بن المبارك ويحيى بن أبي كثير‏.‏ وأما محمد بن عبد الرحمن فقد روى النسائي عن جماعة من التابعين اسمهم محمد بن عبد الرحمن وكلهم ثقات‏.‏ فالحديث على هذا صحيح وقد أخرجه أيضاً الطبراني‏.‏
وحديث ابن عباس الثالث قد ذكر أنه مرسل ورواه الترمذي مسنداً‏.‏
وحديث الربيع الثاني أخرجه أيضاً النسائي وابن ماجه من طريق محمد بن إسحاق قال حدثني عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن الربيع بنت معوذ قالت‏:‏ اختلعت من زوجي فذكرت قصة وفيها أن عثمان أمرها أن تعتد حيضة قال‏:‏ وتبع عثمان في ذلك قضاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في امرأة ثابت بن قيس‏.‏
وحديث أبي الزبير أخرجه أيضاً البيهقي وإسناده قوي مع كونه مرسلاً‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كتاب الخلع‏)‏ بضم الحاء المعجمة وسكون اللام هو في اللغة فراق الزوجة على مال مأخوذ من خلع الثوب لأن المرأة لباس الرجل معنىً وأجمع العلماء على مشروعيته إلا بكر بن عبد اللّه المزني التاجي فإنه قال‏:‏ لا يحل للزوج أن يأخذ من امرأته في مقابل فراقها شيئاً لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فلا تأخذوا منه شيئاً‏}‏ وأورد عليه ‏{‏فلا جناح عليهما فيما افتدت به‏}‏ فادعى نسخها بآية النساء روى ذلك ابن أبي شيبة وتعقب بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه‏}‏ وبقوله فيهما ‏{‏فلا جناح عليهما أن يصالحا‏}‏ الآية - وبأحاديث الباب - وكأنها لم تبلغه وقد انعقد الإجماع بعده على اعتباره وأن آية النساء مخصوصة بآية البقرة وبآيتي النساء الآخرتين وهو في الشرع فراق الرجل زوجته ببدل يحصل له‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏امرأة ثابت بن قيس‏)‏ وقع في رواية ابن عباس والربيع أن اسمها جميلة ووقع في رواية لأبي الزبير أن اسمها زينب والرواية الأولى أصح لإسنادها وثبوتها من طريقين‏.‏ وبذلك جزم الدمياطي‏.‏
وأما ما وقع في حديث ابن عباس المذكور أنها بنت سلول وفي حديث الربيع وأبي الزبير المذكورين أنها بنت عبد اللّه بن أُبيّ بن سلول ووقع في رواية للبخاري أنها بنت أُبيّ فقيل إنها أخت عبد اللّه كما صرح به ابن الأثير وتبعه النووي وجزما بأن قول من قال إنها بنت عبد اللّه وهم وجمع بعضهم باتحاد اسم المرأة وعمتها وأن ثابتاً خالع الثنتين واحدة بعد الأخرى‏.‏
قال الحافظ‏:‏ ولا يخفى بعده ولا سيما مع اتحاد المخرج وقد كثرت نسبة الشخص إلى جده إذا كان مشهوراً والأصل عدم التعدد حتى يثبت صريحاً‏.‏ ووقع في حديث الربيع عند النسائي وابن ماجه أن اسمها مريم وإسناده جيد‏.‏
قال البيهقي‏:‏ اضطرب الحديث في تسمية امرأة ثابت ويمكن أن يكون الخلع تعدد من ثابت انتهى‏.‏
وروى مالك في الموطأ عن حبيبة بنت سهل أنها كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس وأن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم خرج إلى صلاة الصبح فوجدها عند بابه فقال‏:‏ من هذه قالت‏:‏ أنا حبيبة بنت سهل قال‏:‏ ما شأنك قالت‏:‏ لا أنا ولا ثابت بن قيس الحديث أخرجه أصحاب السنن وصححه ابن خزيمة وابن حبان من هذا الوجه وأخرجه أبو داود من حديث عائشة أن حبيبة بنت سهل كانت عند ثابت‏.‏
وأخرج البزار من حديث ابن عمر نحوه قال ابن عبد البر‏:‏ اختلف في امرأة ثابت بن قيس فذكر البصريون أنها جميلة بنت أُبيَّ وذكر المدنيون أنها حبيبة بنت سهل قال الحافظ‏:‏ الذي يظهر لي أنهما قصتان وقعتا لامرأتين لشهرة الخبرين وصحة الطريقين واختلاف السياقين بخلاف ما وقع في الاختلاف في تسمية جميلة ونسبتها فإن سياق قصتها متقارب فأمكن رد الاختلاف فيه إلى الوفاق انتهى‏.‏ ووهم ابن الجوزي فقال إنها سهلة بنت حبيب وإنما هي حبيبة بنت سهل ولكنه انقلب عليه ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إني ما أعتب عليه‏)‏ بضم الفوقية ويجوز كسرها والعتب هو الخطاب بالادلال‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في خلق‏)‏ بضم الخاء المعجمة واللام ويجوز إسكانها أي لا أريد مفارقته لسوء خلقه ولا لنقصان دينه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولكني أكره الكفر في الإسلام‏)‏ أي كفران العشير والتقصير فيما يجب له بسبب شدة البغض له ويمكن أن يكون مرادها أن شدة كراهتها له قد تحملها على إظهار الكفر لينفسخ نكاحها منه ووقع في الرواية الثانية لا أطيقه بغضاً وظاهر هذا مع قولها ما أعتب عليه في خلق ولا دين أنه لم يصنع بها شيئاً يقتضي الشكوى منه ويعارضه ما وقع في حديث الربيع المذكور أنه ضربها فكسر يدها وأجيب بأنها لم تشكه لذلك بل لسبب آخر وهو البغض أو قبح الخلقة كما وقع عند ابن ماجه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وعند عبد الرزاق من حديث ابن عباس‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حديقته‏)‏ الحديقة البستان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أقبل الحديقة‏)‏ قال في الفتح‏:‏ هو أمر إرشاد وإصلاح لا إيجاب‏.‏ ولم يذكر ما يدل على صرف الأمر عن حقيقته وفي ذلك دليل على أنه يجوز للرجل أخذ العوض من المرأة إذا كرهت البقاء معه وقال أبو قلابة ومحمد بن سيرين‏:‏ إنه لا يجوز له أخذ الفدية منها إلا أن يرى على بطنها رجلاً روى ذلك عنهما ابن أبي شيبة واستدلا بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً إلا أن يخافا ألا يقيما حدود اللّه‏}‏ مع قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إلا أن يأتين بفاحشة مبينة‏}‏ وتعقب بأن آية البقرة فسرت المراد بالفاحشة وأحاديث الباب الصحيحة من أعظم الأدلة على ذلك ولعلها لم تبلغهما وحمل الحافظ كلامهما على ما إذا كانت الكراهة من قبل الرجل فقط ولا يخالف ذلك أحاديث الباب لأن الكراهة فيها من قبل المرأة وظاهر أحاديث الباب أن مجرد وجود الشقاق من قبل المرأة كافٍ في جواز الخلع واختار ابن المنذر أنه لا يجوز حتى يقع الشقاق منهما جميعاً وتمسك بظاهر الآية وبذلك قال طاوس والشعبي وجماعة من التابعين وأجاب عن ذلك جماعة منهم الطبري بأن المراد أنها إذا لم تقم بحقوق الزوج كان ذلك مقتضياً لبغض الزوج لها فنسبت المخالفة إليهما بذلك ويؤيد عدم اعتبار ذلك من جهة الزوج أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم يستفسر ثابتاً عن كراهته لها عند إعلانها بالكراهة له‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تتربص حيضة‏)‏ استدل بذلك من قال إن الخلع فسخ لا طلاق‏.‏
وقد حكى ذلك في البحر عن ابن عباس وعكرمة والناصر في أحد قوليه وأحمد بن حنبل وطاوس وإسحاق وأبي ثور وأحد قولي الشافعي وابن المنذر وحكاه غيره أيضاً عن الصادق والباقر وداود والإمام يحيى بن حمزة وحكى في البحر أيضاً عن علي عليه السلام وعمر وعثمان وابن مسعود وزيد بن علي والقاسمية وأبي حنيفة وأصحابه وابن أبي ليلى وأحد قولي الشافعي أنه طلاق بائن‏.‏ ووجه الاستدلال بحديث ابن عباس وحديث الربيع أن الخلع لو كان طلاقاً لم يقتصر صلى اللّه عليه وآله وسلم على الأمر بحيضة وأيضاً لم يقع فيهما الأمر بالطلاق بل الأمر بتخلية السبيل‏.‏
قال الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير إنه بحث عن رجال الحديثين معاً فوجدهم ثقات واحتجوا أيضاً لكونه فسخاً بقوله تعالى ‏{‏الطلاق مرتان‏}‏ ثم ذكر الافتداء ثم عقبه بقوله تعالى ‏{‏فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاُ غيره‏}‏ قالوا كان الافتداء طلاقاً لكان الطلاق الذي لا تحل له فيه إلا بعد زوج هو الطلاق الرابع‏.‏ وبحديث حبيبة بنت سهل عند مالك في الموطأ أنها قالت للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ يا رسول اللّه كل ما أعطاني عندي فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لثابت‏:‏ خذ منه فأخذ وجلست في أهلها ولم يذكر فيه الطلاق ولا زاد على الفرقة وأيضاً لا يصح جعل الخلع طلاقاً بائناً ولا رجعياً أما الأول فلأنه خلاف الظاهر لأنها تطليقة واحدة وأما الثاني فلأنه إهدار لمال المرأة الذي دفعته لحصول الفرقة‏.‏
واحتج القائلون بأنه طلاق بما وقع في حديث ابن عباس المذكور من أمره صلى اللّه عليه وآله وسلم لثابت بالطلاق وأجيب بأنه ثبت من حديث المرأة صاحبة القصة عند أبي داود والنسائي ومالك في الموطأ بلفظ‏:‏ ‏(‏وخل سبيلها‏)‏ وصاحب القصة أعرف بها وأيضاً ثبت بلفظ الأمر بتخلية السبيل من حديث الربيع وأبي الزبير كما ذكره المصنف ومن حديث عائشة عند أبي داود بلفظ‏:‏ ‏(‏وفارقها‏)‏ وثبت أيضاً من حديث الربيع أيضاً عند النسائي بلفظ‏:‏ ‏(‏وتلحق بأهلها‏)‏ ورواية الجماعة أرجح من رواية الواحد وأيضاً قد روي عن ابن عباس هذا الحديث بدون ذكر الطلاق من طريقين كما في الباب وأيضاً ابن عباس من جملة القائلين بأنه فسخ ويبعد منه أن يذهب إلى خلاف ما يرويه عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وقد حكى ذلك عن ابن عباس ابن عبد البر ولكنه ادعى شذوذ ذلك عنه قال‏:‏ إذ لا يعرف أحد نقل عنه أنه فسخ وليس بطلاق إلا طاوس‏.‏
قال في الفتح‏:‏ وفيه نظر لأن طاوساً ثقة حافظ فقيه فلا يضر تفرده وقد تلقى العلماء ذلك بالقبول ولا أعلم من ذكر الاختلاف في المسألة إلا وجزم أن ابن عباس كان يراه فسخاً انتهى‏.‏ وقال الخطابي في معالم السنن‏:‏ إنه احتج ابن عباس على أنه ليس بطلاق بقول اللّه تعالى‏{‏الطلاق مرتان‏}‏ انتهى‏.‏
وأما الاحتجاج بقول اللّه تعالى ‏{‏والمطلقات يتربص بأنفسهن ثلاثة قروء‏}‏ فيجاب عنه أولاً بمنع اندراج الخلع تحت هذا العموم لما قررناه من كونه ليس بطلاق وثانياً بأنا لو سلمنا أنه طلاق لكان ذلك العموم مخصصاً بما ذكرنا من الأحاديث فيكون بعد ذلك التسليم طلاقاً عدته حيضة واحتجوا أيضاً على كونه طلاقاً بأنه قول أكثر أهل العلم كما حكى ذلك الترمذي فقال‏:‏ قال أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وغيرهم إن عدة المختلعة عدة المطلقة انتهى‏.‏ ويجاب بأن ذلك مما لا يكون حجة في مقام النزاع بالإجماع لما تقرر أن الأدلة الشرعية إما الكتاب أو السنة أو القياس أو الإجماع على خلاف في الأخيرين‏.‏ وأيضاً قد عارض حكاية الترمذي حكاية ابن القيم فإنه قال لا يصح عن صحابي أنه طلاق البتة قال ابن القيم أيضاً‏:‏ والذي يدل على أنه ليس بطلاق أنه تعالى رتب على الطلاق بعد الدخول ثلاثة أحكام كلها منتفية عن الخلع‏:‏ أحدها أن الزوج أحق بالرجعة فيه‏.‏ الثاني أنه محسوب من الثلاث فلا تحل بعد استيفاء العدد إلا بعد دخول زوج وإصابة‏.‏ الثالث أن العدة ثلاثة قروء وقد ثبت بالنص والإجماع أنه لا رجعة في الخلع انتهى‏.‏
قال الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير في بحث له‏:‏ وقد استدل أصحابنا يعني الزيدية على أنه طلاق بثلاثة أحاديث ثم ذكرها وأجاب عنها بوجوه حاصلها أنها مقطوعة الأسانيد وأنها معارضة بما هو أرجح وأن أهل الصحاح لم يذكروها وإذا تكرر لك رجحان كونه فسخاً فاعلم أن القائلين به لا يشترطون فيه أن يكون للسنة فيجوز عندهم أن يكون في حال الحيض ويقول بوقوعه منهم من لم يقل بوقوع الطلاق البدعي لأنه لا يعد من جملة الطلاق الثلاث التي جعله اللّه للأزواج‏.‏ والدليل على عدم الاشتراط عدم استفصاله صلى اللّه عليه وآله وسلم كما في أحاديث الباب وغيرها ويمكن أن يقال إن ترك الاستفصال لسبق العلم به‏.‏
وقد اشترط في الخلع نشوز الزوجة الهادوية‏.‏
وقال داود والجمهور ليس بشرط وهو الظاهر لأن المرأة اشترت الطلاق بمالها فلذلك لم تحل فيه الرجعة على القول بأنه طلاق قال العلامة محمد بن إبراهيم الوزير‏:‏ إن الأمر المشترط فيه أن لا يقيما حدود اللّه هو طيب المال للزوج لا الخلع وهو الظاهر من السياق في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فإن خفتم ألا يقيما حدود اللّه فلا جناح عليهما فيما افتدت به‏}‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أما الزيادة فلا‏)‏ استدل بذلك من قال أن العوض من الزوجة لا يكون إلا بمقدار ما دفع إليها الزوج لا بأكثر منه ويؤيد ذلك ما عند ابن ماجه والبيهقي من حديث ابن عباس‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أمره أن يأخذ منها ولا يزداد‏)‏ وفي رواية عبد الوهاب عن سعيد قال أيوب‏:‏ لا أحفظ فيه ولا يزداد‏.‏ وفي رواية النووي وكره أن يأخذ منها أكثر مما أعطى ذكر ذلك كله البيهقي قال‏:‏ ووصله الوليد بن مسلم عن ابن جريج عن ابن عباس رضي اللّه عنهما‏.‏
وقال أبو الشيخ‏:‏ هو غير محفوظ يعني الصواب إرساله وبما ذكرناه يعتضد مرسل أبي الزبير ولا سيما وقد قال الدارقطني أنه سمعه أبو الزبير من غير واحد كما ذكره المصنف‏.‏ قال الحافظ‏:‏ فإن كان فيهم صحابي فهو صحيح وإلا فيعتضد بما ورد في معناه وأخرج عبد الرزاق عن علي أنه قال لا يأخذ منها فوق ما أعطاها وعن طاوس وعطاء والزهري مثله وهو قول أبي حنيفة وأحمد وإسحاق والهادوية وعن ميمون بن مهران من أخذ أكثر مما أعطى لم يسرح بإحسان وأخرج عبد الرزاق بسند صحيح عن سعيد بن المسيب‏.‏ قال‏:‏ ما أحب أن يأخذ منها ما أعطاها ليدع لها شيئاً‏.‏
وذهب الجمهور إلى أنه يجوز للرجل أن يخالع المرأة بأكثر مما أعطاها‏.‏ قال مالك‏:‏ لم أر أحداً ممن يقتدى به يمنع ذلك لكنه ليس من مكارم الأخلاق‏.‏
وأخرج ابن سعد عن الربيع قالت‏:‏ كان بيني وبين ابن عمي كلام وكان زوجها قالت فقلت له لك كل شيء وفارقني قال قد فعلت فأخذ واللّه كل فراشي فجئت عثمان وهو محصور فقال‏:‏ الشرط أملك خذ كل شيء حتى عقاص رأسها‏.‏
وفي البخاري عن عثمان أنه أجاز الخلع دون عقاص رأسها‏.‏
وروى البيهقي عن أبي سعيد الخدري قال‏:‏ كانت أختي تحت رجل من الأنصار فارتفعا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال لها‏:‏ أتردين حديقته قالت‏:‏ وأزيده فخلعها فردت عليه حديقته وزادته وهذا مع كون إسناده ضعيفاً ليس فيه حجة لأنه ليس فيه أنه قررها صلى اللّه عليه وآله وسلم على دفع الزيادة في أمرها برد الحديقة فقط ويمكن أن يقال أن سكوته بعد قولها وأزيده تقرير‏.‏ ويؤيد الجواز قوله تعالى ‏{‏فلا جناح عليهما فيما افتدت به‏}‏ فإنه عام للقليل والكثير ولكنه لا يخفى أن الروايات المتضمنة للنهي عن الزيادة مخصصة لهذا العموم ومرجحة على تلك الرواية المتضمنة للتقرير لكثرة طرقها وكونها مقتضية للحصر وهو أرجح من الإباحة عند التعارض على ما ذهب إليه جماعة من أئمة الأصول‏.‏
وأحاديث الباب قاضية بأنه يجوز الخلع إذا كان ثم سبب يقتضيه فيجمع بينها وبين الأحاديث القاضية بالتحريم بحملها على ما إذا لم يكن ثم سبب يقتضيه‏.‏
وقد أخرج أصحاب السنن وصححه ابن خزيمة وابن حبان من حديث ثوبان‏:‏ ‏(‏أيما امرأة سألت زوجها الطلاق فحرام عليها رائحة الجنة‏)‏ وفي بعض طرقه من غير ما بأس وقد تقدم الحديث وأخرج أحمد والنسائي من حديث أبي هريرة‏:‏ ‏(‏المختلعات هن المنافقات‏)‏ وهو من رواية الحسن عنه وفي سماعه منه نظر‏.‏
=============================
كتاب الرجعة والإباحة للزوج الأول
1 -
عن ابن عباس‏:‏ ‏(‏في قوله تعالى ‏{‏والمطلقات يتربص بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهن‏}‏ الآية وذلك أن الرجل كان إذا طلق امرأته فهو أحق برجعتها وإن طلقها ثلاثاً فنسخ ذلك ‏{‏الطلاق مرتان‏}‏ الآية‏)‏‏.‏
رواه أبو داود والنسائي‏.‏
2 -
وعن عروة عن عائشة قالت‏:‏ ‏(‏كان الناس والرجل يطلق امرأته ما شاء أن يطلقها وهي امرأته إذا ارتجعها وهي في العدة وإن طلقها مائة مرة أو أكثر حتى قال رجل لامرأته‏:‏ واللّه لا أطلقك فتبيني مني ولا آويك أبداً قالت‏:‏ وكيف ذلك قال‏:‏ أطلقك فكلما همت عدتك أن تنقضي راجعتك فذهبت المرأة حتى دخلت على عائشة فأخبرتها فسكتت عائشة حتى جاء النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فأخبرته فسكت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم حتى نزل القرآن ‏{‏الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان‏}‏ قالت عائشة‏:‏ فاستأنف الناس الطلاق مستقبلاً من كان طلق ومن لم يكن طلق‏)‏‏.‏
رواه الترمذي ورواه أيضاً عن عروة مرسلاً وذكر أنه أصح‏.‏
حديث ابن عباس في إسناده علي بن الحسين بن واقد وفيه مقال‏.‏
وحديث عائشة المرفوع من طريق قتيبة عن يعلى بن شبيب عن هشام بن عروة عن أبيه عنها والموقوف من طريق أبي كريب عن عبد اللّه بن إدريس عن هشام بن عروة عن أبيه ولم يذكر فيه عائشة‏.‏ قال الترمذي‏:‏ وهذا أصح من حديث يعلى بن شبيب‏.‏
قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهن‏}‏ فسره مجاهد بالحيض والحمل‏.‏ وأخرج الطبري عن طائفة أن المراد به الحيض وعن ابن جرير الحمل والمقصود من الآية أن أمر العدة لما دار على الحيض والطهر والإطلاع على ذلك يقع من جهة النساء غالباً جعلت المرأة مؤتمنة على ذلك‏.‏
وقال إسماعيل القاضي‏:‏ دلت الآية أن المرأة المعتدة مؤتمنة على رحمها من الحمل والحيض إلا أن تأتي من ذلك بما يعرف به كذبها فيه والمنسوخ من هذه الآية هو قوله تعالى ‏{‏وبعولتهن أحق بردهن‏}‏ فإن ظاهره أن للرجل مراجعة المرأة مطلقاً سواء طلقها ثلاثاً أو أكثر أو أقل فنسخ من ذلك مراجعة من طلقها زوجها ثلاثاً فأكثر فإنه لا يحل له مراجعتها بعد ذلك وأما إذا طلقها واحدة رجعية أو اثنتين كذلك فهو أحق برجعتها‏.‏
قال في الفتح‏:‏ وقد أجمعوا على أن الحر إذا طلق الحرة بعد الدخول بها تطليقة أو تطليقتين فهو أحق برجعتها ولو كرهت المرأة ذلك فإن لم يراجع حتى انقضت العدة فتصير أجنبية فلا تحل له إلا بنكاح مستأنف ‏ـ ‏واختلف السلف‏ ـ فيما يكون به الرجل مراجعاً فقال الأوزاعي إذا جامعها فقد راجعها‏.‏ ومثله أيضاً روي عن بعض التابعين وبه قال مالك وإسحاق بشرط أن ينوي به الرجعة وقال الكوفيون كالأوزاعي وزادوا ولو لمسها لشهوة أو نظر إلى فرجها لشهوة‏.‏
وقال الشافعي‏:‏ لا تكون الرجعة إلا بالكلام وحجة الشافعي أن الطلاق يزيل النكاح وإلى ذلك ذهب الإمام يحيى والظاهر ما ذهب إليه الأولون لأن العدة مدة خيار والاختيار يصح بالقول والفعل وأيضاً ظاهر قوله تعالى ‏{‏وبعولتهن أحق بردهن‏}‏ وقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏مره فليراجعها‏)‏ أنها تجوز المراجعة بالفعل لأنه لم يخص قولاً من فعل ومن ادعى الاختصاص فعليه الدليل وقد حكى في البحر عن العترة ومالك أن الرجعة بالوطء ومقدماته محظورة وإن صحت ثم قال قلت إن لم ينو به الرجعة فنعم لعزمه على قبيح وإلا فلا لما مر‏.‏
وقال أحمد بن حنبل بل مباح لقوله تعالى ‏{‏إلا على أزواجهم‏}‏ والرجعية زوجة بدليل صحة الإيلاء انتهى‏.‏ وحديث عائشة فيه دليل على تحريم الضرار في الرجعة لأنه منهي عنه بعموم قوله تعالى ‏{‏ولا تضاروهن‏}‏ والمنهي عنه فاسد فساداً يرادف البطلان ويدل على ذلك أيضاً قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن أرادوا إصلاحاً‏}‏ فكل رجعة لا يراد بها الإصلاح ليست برجعة شرعية‏.‏
وقد دل الحديثان المذكوران في الباب على أن الرجل كان يملك من الطلاق لزوجته في صدر الإسلام الثلاث وما فوقها إلى ما لا نهاية له ثم نسخ اللّه الزيادة على الثلاث بالآية المذكورة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من كان طلق‏)‏ أي لم يعتد من ذلك الوقت بما قد وقع منه من الطلاق بل حكمه حكم من لم يطلق أصلاً فيملك ثلاثاً كما يملكها من لم يقع منه شيء من الطلاق‏.‏
3 -
وعن عمران بن حصين‏:‏ ‏(‏أنه سئل عن الرجل يطلق امرأته ثم يقع بها ولم يشهد على طلاقها ولا على رجعتها فقال طلقت لغير سنة وراجعت لغير سنة أشهد على طلاقها وعلى رجعتها ولا تعد‏)‏‏.‏
رواه أبو داود وابن ماجه ولم يقل ولا تعد‏.‏
-
الأثر أخرجه أيضاً البيهقي والطبراني وزاد‏:‏ ‏(‏واستغفر اللّه‏)‏ قال الحافظ في بلوغ المرام‏:‏ وسنده صحيح وقد استدل به من قال بوجوب الإشهاد على الرجعة وقد ذهب إلى عدم رجوع الإشهاد في الرجعة أبو حنيفة وأصحابه والقاسمية والشافعي في أحد قوليه‏.‏ واستدل لهم في البحر بحديث ابن عمر السالف فإن فيه أنه قال صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏مره فليراجعها‏)‏ ولم يذكر الإشهاد وقال مالك والشافعي والناصر أنه يجب الإشهاد في الرجعة واحتج في نهاية المجتهد للقائلين بعدم الوجوب بالقياس على الأمور التي ينشئها الإنسان لنفسه فإنه لا يجب فيها الإشهاد‏.‏ ومن الأدلة على عدم الوجوب أنه قد وقع الإجماع على عدم وجوب الإشهاد في الطلاق كما حكاه الموزعي في تيسير البيان والرجعة قرينته فلا يجب فيها كما لا يجب فيه والاحتجاج بالأثر المذكور في الباب لا يصلح للاحتجاج لأنه قول صحابي في أمر من مسارح الاجتهاد وما كان كذلك فليس بحجة لولا ما وقع من قوله طلقت لغير سنة وراجعت لغير سنة‏.‏
وأما قوله تعالى ‏{‏وأشهدوا ذوي عدل منكم‏}‏ فهو وارد عقب قوله ‏{‏فأمسكوهن بمعروف‏}‏ الآية وقد عرفت الإجماع على عدم وجوب الإشهاد على الطلاق والقائلون بعدم الوجوب يقولون بالاستحباب‏.‏
4 -
وعن عائشة قالت‏:‏ ‏(‏جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقالت‏:‏ كنت عند رفاعة فطلقني فبت طلاقي فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير وإنما معه مثل هدبة الثوب فقال‏:‏ أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك‏)‏‏.‏
رواه الجماعة‏.‏ لكن لأبي داود معناه من غير تسمية الزوجين‏.‏
5 -
وعن عائشة‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ العسيلة هي الجماع‏)‏‏.‏
رواه أحمد والنسائي‏.‏
6 -
وعن ابن عمر قال‏:‏ ‏(‏سئل نبي اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن الرجل يطلق امرأته ثلاثاً ويتزوجها آخر فيغلق الباب ويرخي الستر ثم يطلقها قبل أن يدخل بها هل تحل للأول قال‏:‏ لا حتى يذوق العسيلة‏)‏‏.‏
رواه أحمد والنسائي وقال‏:‏ ‏(‏قال‏:‏ لا تحل للأول حتى يجامعها الآخر‏)‏‏.‏
حديث عائشة الثاني أخرجه أيضاً أبو نعيم في الحلية قال الهيثمي‏:‏ فيه أبو عبد الملك لم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح‏.‏
وحديث ابن عمر هو من رواية سفيان الثوري عن علقمة بن مرئد عن رزين بن سليمان الأحمري عن ابن عمر وروي أيضاً من طريق شعبة عن علقمة بن مرئد عن سالم بن رزين عن سالم بن عبد اللّه عن سعيد بن المسيب عن ابن عمر‏.‏
قال النسائي‏:‏ والطريق الأولى أولى بالصواب‏.‏ قال الحافظ‏:‏ وإنما قال ذلك لأن الثوري أتقن وأحفظ من شعبة وروايته أولى بالصواب من وجهين أحدهما أن شيخ علقمة هو رزين بن سليمان كما قال الثوري لا سالم بن رزين كما قال شعبة فقد رواه جماعة عن شعبة كذلك منهم غيلان بن جامع أحد الثقات ثانيهما أن الحديث لو كان عند سعيد بن المسيب عن ابن عمر مرفوعاً لم يخالفه سعيد ويقول بغيره كما سيأتي‏.‏
-
وفي الباب - عن عائشة غير حديث الباب عند أبي داود بنحو حديث ابن عمر وعن ابن عباس نحوه عند النسائي‏.‏ وعن أبي هريرة عند الطبراني وابن أبي شيبة بنحوه‏.‏ وعن أنس عند الطبراني أيضاً والبيهقي بنحوه أيضاً‏.‏ وعن عائشة أيضاً حديث آخر عند الطبراني بإسناد رجاله ثقات‏:‏ ‏(‏أن عمرو بن حزم طلق العميصاء فنكحها رجل فطلقها قبل أن يمسها فسألت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏ لا حتى يذوق الآخر عسيلتها وتذوق عسيلته‏)‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏امرأة رفاعة القرظي‏)‏ قيل اسمها تميمة وقيل سهيمة وقيل أميمة‏.‏ والقرظي بضم القاف وفتح الراء والظاء المعجمة نسبة إلى بني قريظة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عبد الرحمن بن الزبير‏)‏ بفتح الزاي من الزبير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏هدبة الثوب‏)‏ بفتح الهاء وسكون المهملة بعدها باء موحدة مفتوحة هي طرف الثوب الذي لم ينسج مأخوذ من هدب العين وهو شعر الجفن هكذا في الفتح‏.‏
وفي القاموس الهدب بالضم وبضمتين شعر أشفار العين وخمل الثوب واحدتهما بهاء وكذا في مجمع البحار نقلاً عن النووي أنها بضم هاء وسكون دال وأرادت أن ذكره يشبه الهدبة في الاسترخاء وعدم الانتشار واستدل به على أن وطء الزوج الثاني لا يكون محللاً ارتجاع الزوج الأول للمرأة إلا إذا كان حال وطئه منتشراً فلو لم يكن كذلك أو كان عنيناً أو طفلاً لم يكفِ على الأصح من قولي أهل العلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك‏)‏ العسيلة مصغرة في الموضعين واختلف في توجيهه فقيل هو تصغير العسل لأن العسل مؤنث جزم بذلك القزاز قال‏:‏ وأحسب التذكير لغة وقال الأزهري‏:‏ يذكر ويؤنث وقيل‏:‏ لأن العرب إذا حقرت الشيء أدخلت فيه هاء التأنيث‏.‏ وقيل‏:‏ المراد قطعة من العسل والتصغير للتقليل إشارة إلى أن القدر القليل كاف في تحصيل ذلك بأن يقع تغييب الحشفة في الفرج وقيل معنى العسيلة النطفة وهذا يوافق قول الحسن البصري وقال جمهور العلماء‏:‏ ذوق العسيلة كناية عن الجماع وهو تغييب حشفة الرجل في فرج المرأة‏.‏ وحديث عائشة المذكور في الباب يدل على ذلك وزاد الحسن البصري حصول الإنزال‏.‏ قال ابن بطال‏:‏ شذ الحسن في هذا وخالف سائر الفقهاء وقالوا يكفي ما يوجب الحد ويحصن الشخص ويوجب كمال الصداق ويفسد الحج والصوم‏.‏ وقال أبو عبيدة‏:‏ العسيلة لذة الجماع والعرب تسمي كل شيء تستلذه عسلاً‏.‏
وأحاديث الباب تدل على أنه لا بد فيمن طلقها زوجها ثلاثاً ثم تزوجها زوج آخر من الوطء فلا تحل للأول إلا بعده‏.‏ قال ابن المنذر‏:‏ أجمع العلماء على اشتراط الجماع لتحل للأول إلا سعيد بن المسيب ثم ساق بسنده الصحيح عنه ما يدل على ذلك قال ابن المنذر‏:‏ وهذا القول لا نعلم أحداًً وافقه عليه إلا طائفة من الخوارج ولعله لم يبلغه الحديث فأخذ بظاهر القرآن‏.‏
وقد نقل أبو جعفر النحاس في معاني القرآن وعبد الوهاب المالكي في شرح الرسالة عن سعيد بن جبير مثل قول سعيد بن المسيب وكذلك حكى ابن الجوزي عن داود أنه وافق في ذلك‏.‏ قال القرطبي‏:‏ ويستفاد من الحديث على قول الجمهور أن الحكم يتعلق بأقل ما ينطلق عليه الاسم خلافاً لمن قال لا بد من حصول جميعه واستدل بإطلاق الذوق لهما على اشتراط علم الزوجين به حتى لو وطئها نائمة أو مغمى عليها لم يكف ذلك ولو أنزل هو‏.‏ وبالغ ابن المنذر فنقله عن جميع الفقهاء واستدل بأحاديث الباب على جواز رجوعها إلى زوجها الأول إذا حصل الجماع من الثاني ويعقبه الطلاق منه لكن شرط المالكية ونقل عن عثمان وزيد بن ثابت أن لا يكون في ذلك مخادعة من الزوج الثاني ولا إرادة تحليلها للأول وقال الأكثر إن شرط ذلك في العقد فسد وإلا فلا وقد قدمنا الكلام على التحليل ومما يستدل بأحاديث الباب عليه أنه لا حق للمرأة في الجماع لأن هذه المرأة شكت أن زوجها لا يطؤها وأن ذكره لا ينتشر وأنه ليس معه ما يغني عنها ولم يفسخ النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نكاحها وفي ذلك خلاف معروف‏.‏
===============================================





كتاب الإيلاء
1 -
عن الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت‏:‏ ‏(‏آلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم من نسائه وحرم فجعل الحرام حلالاً وجعل في اليمين الكفارة‏)‏‏.‏
رواه ابن ماجه والترمذي وذكر أنه قد روي عن الشعبي مرسلاً وأنه أصح‏.‏
2 -
وعن ابن عمر قال‏:‏ ‏(‏إذا مضت أربعة أشهر يوقف حتى يطلق ولا يقع عليه الطلاق حتى يطلق يعني المولي‏)‏‏.‏
-
أخرجه البخاري وقال‏:‏ ويذكر ذلك عن عثمان وعلي وأبي الدرداء وعائشة واثني عشر رجلاً من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏.‏
وقال أحمد بن حنبل في رواية أبي طالب قال عمر وعثمان وعلي وابن عمر‏:‏ يوقف المولي بعد الأربعة فإما أن يفيء وإما أن يطلق‏.‏
3 -
وعن سليمان بن يسار قال‏:‏ ‏(‏أدركت بضعة عشر رجلاً من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كلهم يقفون المولي‏)‏‏.‏
رواه الشافعي والدارقطني‏.‏
4 -
وعن سهيل بن أبي صالح عن أبيه أنه قال‏:‏ ‏(‏سألت اثني عشر رجلاً من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عن رجل يولي قالوا ليس عليه شيء حتى تمضي أربعة أشهر فيوقف فإن فاء وإلا طلق‏)‏‏.‏
رواه الدارقطني‏.‏
حديث الشعبي قال الحافظ في الفتح رجاله موثقون ولكنه رجح الترمذي إرساله على وصله‏.‏
وأثر عمر ذكره البخاري موصولاً من طريق إسماعيل بن أبي أويس عن أخيه أبي بكر بن عبد الحميد بن أبي أويس‏.‏
وأثر عثمان وصله الشافعي وابن أبي شيبة وعبد الرزاق بلفظ‏:‏ ‏(‏يوقف المولي فإما أن يفيء وإما أن يطلق‏)‏ وهو من رواية طاوس عنه وفي سماعه منه نظر لكن أحرجه الإسماعيلي من وجه آخر منقطع عنه أنه كان لا يرى الإيلاء شيئاً وإن مضت أربعة أشهر حتى يوقف‏.‏
وأخرج عبد الرزاق والدارقطني عنه خلاف ذلك ولفظه‏:‏ قال عثمان إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة وقد رجح أحمد رواية طاوس عنه‏.‏
وأثر علي وصله الشافعي وابن أبي شيبة وسنده صحيح وكذلك روى عنه مالك أنه إذا مضت الأربعة أشهر لم يقع عليه طلاق حتى يوقف فإما أن يطلق وإما أن يفيء وهو منقطع لأنه من رواية جعفر بن محمد عن أبيه عنه‏.‏ وأخرج نحوه عنه سعيد بن منصور بإسناد صحيح‏.‏
وأثر أبي الدرداء وصله ابن أبي شيبة ولفظه‏:‏ أن أبا الدرداء قال يوقف في الإيلاء عند انقضاء الأربعة فإما أن يطلق وإما أن يفيء وإسناده صحيح‏.‏
وأثر عائشة وصله عبد الرزاق مثل قول أبي الدرداء وهو منقطع لأنه من رواية قتادة عنها ولكنه أخرج عنها سعيد بن منصور أنها كانت لا ترى الإيلاء شيئاً حتى يوقف وإسناده صحيح‏.‏ وأخرج الشافعي عنها نحوه بإسناد صحيح أيضاً‏.‏
وأما الآثار الواردة عن اثني عشر رجلاً من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فأخرجها البخاري في التاريخ موصولة‏.‏
وأثر سليمان بن يسار أخرجه أيضاً إسماعيل القاضي من طريق يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار قال‏:‏ أدركت بضعة عشر رجلاً من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قالوا الإيلاء لا يكون طلاقاً حتى يوقف‏.‏
وأثر سهيل بن أبي صالح إسناده في سنن الدارقطني هكذا أخبرنا أبو بكر النيسابوري أخبرنا أحمد بن منصور أخبرنا ابن أبي مريم أخبرنا يحيى بن أبي أيوب عن عبيد اللّه ابن عمر عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه فذكره ويشهد له ما تقدم وأخرج إسماعيل القاضي عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار قال أدركنا الناس يقفون الإيلاء إذا ما مضت الأربعة‏.‏
-
وفي الباب - من المرفوع عن أنس عند البخاري أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم آلى من نسائه الحديث‏.‏ وعن أم سلمة عند البخاري بنحوه وعن ابن عباس عنه أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم أقسم أن لا يدخل عليهن شهراً‏.‏ وعن جابر عند مسلم أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم اعتزل نساءه شهراً‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏آلى‏)‏ الإيلاء في اللغة الحلف وفي الشرع الحلف الواقع من الزوج أن لا يطأ زوجته ومن أهل العلم من قال الإيلاء الحلف على ترك كلامها أو على أن يغيظها أو يسوءها أو نحو ذلك ونقل عن الزهري أنه لا يكون الإيلاء إيلاء إلا أن يحلف المرء باللّه فيما يريد أن يضار به امرأته من اعتزالها فإذا لم يقصد الإضرار لم يكن إيلاء وروي عن علي وابن عباس والحسن وطائفة أنه لا إيلاء إلا في غضب فأما من حلف أن لا يطأها بسبب الخوف على الولد الذي يرضع منها من الغيلة فلا يكون إيلاء‏.‏
وروي عن القاسم بن محمد وسالم فيمن قال لامرأته إن كلمتك سنة فأنت طالق قالا‏:‏ إن مضت أربعة أشهر ولم يكلمها طلقت وإن كلمها قبل سنة فهي طالق‏.‏
وروي عن يزيد بن الأصم أن ابن عباس قال له ما فعلت امرأتك فعهدي بها سيئة الخلق فقال لقد خرجت وما أكلمها قال أدركها قبل أن تمضي أربعة أشهر فإن مضت فهي تطليقة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وحرم‏)‏ في الصحيحين أن الذي حرمه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم على نفسه هو العسل وقيل تحريم مارية وسيأتي‏.‏ وروى ابن مردويه من طريق عائشة ما يفيد الجمع بين الروايتين وهكذا الخلاف في تفسير قوله تعالى ‏{‏يا أيها النبي لم تحرم ما أحل اللّه لك‏}‏ الآية‏.‏ ومدة إيلائه صلى اللّه عليه وآله وسلم من نسائه شهر كما ثبت في صحيح البخاري‏.‏
واختلف في سبب الإيلاء فقيل سببه الحديث الذي أفشته حفصة كما في صحيح البخاري من حديث ابن عباس واختلف أيضاً في ذلك الحديث الذي أفشته وقد وردت في بيانه روايات مختلفة وقد اختلف في مقدار مدة الإيلاء فذهب الجمهور إلى أنها أربعة أشهر فصاعداً قالوا فإن حلف على أنقص منها لم يكن مولياً‏.‏ وقال إسحاق‏:‏ إن حلف أن لا يطأها يوماً فصاعداً ثم لم يطأها حتى مضت أربعة أشهر فصاعداً كان إيلاء‏.‏ وجاء عن بعض التابعين مثله‏.‏ وحكى صاحب البحر عن ابن مسعود وابن سيرين وابن أبي ليلى وقتادة والحسن البصري والنخعي وحماد بن عيينة أنه ينعقد بدون أربعة أشهر لأن القصد مضارة الزوجة وهي حاصلة في دونها‏.‏
واحتج الأولون بقوله تعالى ‏{‏للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر‏}‏ وأجاب الآخرون عنها بأن المراد بها المدة التي تضرب للمولي فإن فاء بعدها وإلا طلق حتماً لا أنه لا يصح الإيلاء بدون هذه المدة‏.‏ ويؤيد ما قالوه ما تقدم من إيلائه صلى اللّه عليه وآله وسلم من نسائه شهراً فإنه لو كان ما في القرآن بياناً لمقدار المدة التي لا يجوز الإيلاء بدونها لم يقع منه صلى اللّه عليه وآله وسلم ذلك‏.‏ وأيضاً الأصل أن من حلف على شيء لزمه حكم اليمين فالحالف من وطء زوجته يوماً أو يومين مول‏.‏
وأخرج عبد الرزاق عن عطاء أن الرجل إذا حلف أن لا يقرب امرأته سمى أجلاً أو لم يسمه فإن مضت أربعة أشهر ألزم حكم الإيلاء وأخرج سعيد بن منصور عن الحسن البصري أنه إذا قال لامرأته واللّه لا أقربها الليلة فتركها أربعة أشهر من أجل يمينه تلك فهو إيلاء‏.‏
وأخرج الطبراني والبيهقي من حديث ابن عباس قال‏:‏ كان إيلاء الجاهلية السنة والسنتين فوقت اللّه لهم أربعة أشهر فمن كان إيلاؤه أقل من أربعة أشهر فليس بإيلاء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإما أن يفيء‏)‏ الفيء الرجوع قاله أبو عبيدة وإبراهيم النخعي في رواية الطبري عنه قال‏:‏ الفيء الرجوع باللسان‏.‏ ومثله عن أبي قلابة وعن سعيد بن المسيب والحسن وعكرمة الفيء الرجوع بالقلب لمن به مانع عن الجماع وفي غيره بالجماع‏.‏ وحكى ذلك في البحر عن العترة والفريقين‏.‏ وحكاه صاحب الفتح عن أصحاب ابن مسعود‏.‏ وعن ابن عباس الفيء الجماع‏.‏ وحكي مثله عن مسروق وسعيد بن جبير والشعبي‏.‏
قال الطبري‏:‏ اختلافهم في هذا من اختلافهم في تعريف الإيلاء فمن خصه بترك الجماع قال‏:‏ لا يفيء إلا بفعل الجماع ومن قال الإيلاء الحلف على ترك كلام المرأة أو على أن يغيظها أو يسوءها أو نحو ذلك لم يشترط في الفيء الجماع بل رجوعه بفعل ما حلف أنه لا يفعله‏.‏
قال في البحر‏:‏ فرع ولفظ الفيء ندمت على يميني ولو قدرت الآن لفعلت أو رجعت عن يميني ونحوه انتهى‏.‏
وقد ذهب الجمهور إلى أن الزوج لا يطالب بالفيء قبل مضي الأربعة الأشهر‏.‏ وقال ابن مسعود وزيد بن ثابت وابن أبي ليلى والثوري وأبو حنيفة‏:‏ إنه يطالب فيها لقراءة ابن مسعود ‏{‏فإن فاؤوا فيهن‏}‏ قالوا وإذا جاز الفيء جاز الطلب إذ هو تابع ويجاب بمنع الملازمة وبنص ‏{‏للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر‏}‏ فإن اللّه سبحانه شرع التربص هذه المدة فلا يجوز مطالبة الزوج قبلها واختياره للفيء قبلها إبطال لحقه من جهة نفسه فلا يبطل بإبطال غيره‏.‏ وذهب الجمهور إلى أن الطلاق الواقع من الزوج في الإيلاء يكون رجعياً وهكذا عند من قال إن مضي المدة يكون طلاقاً وإن لم يطلق‏.‏
وقد أخرج الطبري عن علي وابن مسعود وزيد بن ثابت أنها إذا مضت أربعة أشهر ولم يفيء طلقت طلقة بائنة‏.‏
وأخرج أيضاً عن جماعة من التابعين من الكوفيين وغيرهم كابن الحنفية وقبيصة بن ذؤئب وعطاء والحسن وابن سيرين مثله‏.‏
وأخرج أيضاً من طريق سعيد بن المسيب وأبي بكر بن عبد الرحمن وربيعة ومكحول والزهري والأوزاعي أنها تطلق طلقة رجعية‏.‏
وأخرج سعيد بن منصور عن جابر بن زيد أنها تطلق بائناً‏.‏ وروى إسماعيل القاضي في أحكام القرآن بسند صحيح عن ابن عباس مثله وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود مثله‏.‏
=====================================================



كتاب الظهار
1 -
عن سلمة بن صخر قال‏:‏ ‏(‏كنت امرأ قد أوتيت من جماع النساء ما لم يؤت غيري فلما دخل رمضان ظاهرت من امرأتي حتى ينسلخ رمضان فرقاً من أن أصيب في ليلتي شيئاً فأتتابع في ذلك إلى أن يدركني النهار وأنا لا أقدر أن أنزع فبينا هي تخدمني من الليل إذ تكشف إلي منها شيء فوثبت عليها فلما أصبحت غدوت على قومي فأخبرتهم خبري وقلت لهم انطلقوا معي إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فأخبره بأمري فقالوا واللّه لا نفعل نتخوف أن ينزل فينا قرآن أو يقول فينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم مقالة يبقى علينا عارها ولكن اذهب أنت واصنع ما بدا لك فخرجت حتى أتيت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فأخبرته خبري فقال‏:‏ لي أنت بذاك فقلت‏:‏ أنا بذاك فقال‏:‏ أنت بذاك قلت‏:‏ أنا بذاك فقال‏:‏ أنت بذاك قلت‏:‏ نعم ها أنا ذا فأمض فيَّ حكم اللّه عز وجل فأنا صابر له قال‏:‏ أعتق رقبة فضربت صفحة رقبتي بيدي وقلت‏:‏ لا والذي بعثك بالحق ما أصبحت أملك غيرها قال‏:‏ فصم شهرين متتابعين قال‏:‏ قلت يا رسول اللّه وهل أصابني ما أصابني إلا في الصوم قال‏:‏ فتصدق قال‏:‏ قلت والذي بعثك بالحق لقد بتنا ليلتنا وحشاً ما لنا عشاء قال‏:‏ اذهب إلى صاحب صدقة بني زريق فقل له فليدعها إليك فأطعم عنك منها وسقاً من تمر ستين مسكيناً ثم استعن بسائره عليك وعلى عيالك قال‏:‏ فرجعت إلى قومي فقلت وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي ووجدت عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم السعة والبركة وقد أمر لي بصدقتكم فادفعوها إلي قال‏:‏ فدفعوها إلي‏)‏‏.‏
رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال‏:‏ حديث حسن‏.‏
-
الحديث أخرجه أيضاً الحاكم وصححه ابن خزيمة وابن الجارود وقد أعله عبد الحق بالانقطاع وأن سليمان بن يسار لم يدرك سلمة‏.‏ وقد حكى ذلك الترمذي عن البخاري وفي إسناده أيضاً محمد بن إسحاق‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ظاهرت من امرأتي‏)‏ الظهار بكسر الظاء المعجمة اشتقاقه من الظهر وهو قول الرجل لامرأته أنت علي كظهر أمي‏.‏
قال في الفتح‏:‏ وإنما خص الظهر بذلك دون سائر الأعضاء لأنه محل الركوب غالباً ولذلك سمي المركوب ظهراً فشبهت الزوجة بذلك لأنها مركوب الرجل‏.‏
وقد ذهب الجمهور إلى أن الظهار يختص بالأم كما ورد في القرآن‏.‏
وفي حديث خولة التي ظاهر منها أوس فلو قال كظهر أختي مثلاً لم يكن ظهاراً وكذا لو قال كظهر أبي وفي رواية عن أحمد أنه ظهار وطرده في كل من يحرم عليه وطؤه حتى في البهيمة‏.‏ وحكي في البحر عن أبي حنيفة وأصحابه والأوزاعي والثوري والحسن بن صالح وزيد بن علي والناصر والإمام يحيى والشافعي في أحد قوليه إنه يقاس المحارم على الأم ولو من رضاع إذ العلة التحريم المؤبد‏.‏ وعن ابن القاسم من أصحاب الشافعي ولو من الرجال‏.‏ وعن مالك وأحمد والبتي وغير المؤبد فيصح بالأجنبيات‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فرقاً‏)‏ بفتح الفاء والراء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأتتابع‏)‏ بتاءين فوقيتين وبعد الألف ياء وهو الوقوع في الشر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال لي أنت بذاك‏)‏ لعل هذا التكرير للمبالغة في الزجر لا أنه شرط في إقرار المظاهر ومن ههنا يلوح أن مجرد الفعل لا يصح الاستدلال به على الشرطية كما سيأتي في الإقرار بالزنا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أعتق رقبة‏)‏ ظاهره عدم اعتبار كونها مؤمنة وبه قال عطاء والنخعي وزيد بن علي وأبو حنيفة وأبو يوسف وقال مالك والشافعي وأكثر العترة لا يجوز ولا يجزئ إعتاق الكافر لأن هذا مطلق مقيد بما في كفارة القتل من اشتراط الإيمان‏.‏ وأجيب بأن تقييد حكم بما في حكم آخر مخالف له لا يصح وتحقيق الحق في ذلك محرر في الأصول ولكنه يؤيد اعتبار الإسلام حديث معاوية بن الحكم السلمي فإنه لما سأل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عن إعتاق جاريته عن الرقبة التي عليه قال لها‏:‏ أين اللّه فقالت‏:‏ في السماء فقال‏:‏ من أنا فقالت‏:‏ رسول اللّه قال‏:‏ فأعتقها فإنها مؤمنة ولم يستفصله عن الرقبة التي عليه وترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال وظاهر إطلاق الرقبة أنها تجزئ المعيبة وقد حكاه في البحر عن أكثر العترة وداود وحكى عن المرتضى والفريقين ومالك أنها لا تجزئ‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فصم شهرين‏)‏ ظاهره أن حكم العبد حكم الحر في ذلك وقد نقل ابن بطال الإجماع على أن العبد إذا ظاهر لزمه وأن كفارته بالصيام شهران كالحر واختلفوا في الإطعام والعتق فقال الكوفيون والشافعي والهادوية لا يجزيه إلا الصيام فقط وقال ابن القاسم عن مالك إذا أطعم بإذن مولاه أجزأه قال‏:‏ وما ادعاه ابن بطال من الإجماع مردود فقد نقل الشيخ الموفق في المغني عن بعضهم أنه لا يصح ظهار العبد لأن اللّه تعالى قال ‏{‏فتحرير رقبة‏}‏ والعبد لا يملك الرقاب وتعقب بأن تحرير الرقبة إنما هو على من يجدها كالمعسر ففرضه الصيام‏.‏
وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن إبراهيم أنه لو صام العبد شهراً أجزأ عنه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وحشاً‏)‏ لفظ أبي داود وحشين‏.‏ قال في النهاية‏:‏ يقال رجل وحش بالسكون إذا كان جائعاً لا طعام له وقد أوحش إذا جاع‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بني زريق‏)‏ بتقديم الزاي على الراء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ستين مسكيناً‏)‏ فيه دليل على أنه يجزئ من لم يجد رقبة ولم يقدر على الصيام لعلة أن يطعم ستين مسكيناً وقد حكى صاحب البحر الإجماع على ذلك وحكى أيضاً الإجماع على أن الكفارة في الظهار واجبة على الترتيب وظاهر الحديث أنه لا بد من إطعام ستين مسكيناً ولا يجزئ إطعام دونهم وإليه ذهب الشافعي ومالك والهادوية وقال زيد بن علي وأبو حنيفة وأصحابه والناصر أنه يجزئ إطعام واحد ستين يوماً‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأطعم عنك منها وسقاً‏)‏ في رواية‏:‏ ‏(‏فأطعم عرقاً من تمر ستين مسكيناً‏)‏ وسيأتي الاختلاف في العرق في حديث خولة‏.‏
وقد أخذ بظاهر حديث الباب الثوري وأبو حنيفة وأصحابه والهادوية والمؤيد باللّه فقالوا الواجب لكل مسكين صاع من تمر أو ذرة أو شعير أو زبيب أو نصف صاع من بر وقال الشافعي وهو مروي عن أبي حنيفة أيضاً أن الواجب لكل مسكين مد وقد تمسكوا بالروايات التي فيها ذكر العرق وتقديره بخمسة عشر صاعاً وسيأتي واختلفت الرواية عن مالك وظاهر الحديث أن الكفارة لا تسقط بالعجز عن جميع أنواعها لأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أعانه بما يكفر به بعد أن أخبره أنه لا يجد رقبة ولا يتمكن من إطعام ولا يطيق الصوم وإليه ذهب الشافعي وأحمد في رواية عنه وذهب قوم إلى السقوط وذهب آخرون إلى التفصيل فقالوا تسقط كفارة صوم رمضان لا غيرها من الكفارات‏.‏
2 -
وعن سلمة بن صخر‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في المظاهر يواقع قبل أن يكفر قال‏:‏ كفارة واحدة‏)‏‏.‏
رواه ابن ماجه والترمذي‏.‏
3 -
وعن أبي سلمة عن سلمة بن صخر‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أعطاه مكتلاً فيه خمسة عشر صاعاً فقال‏:‏ أطعمه ستين مسكيناً وذلك لكل مسكين مد‏)‏‏.‏
رواه الدارقطني وللترمذي معناه‏.‏
4 -
وعن عكرمة عن ابن عباس‏:‏ ‏(‏أن رجلاً أتى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قد ظاهر من امرأته فوقع عليها فقال‏:‏ يا رسول اللّه إني ظاهرت من امرأتي فوقعت عليها قبل أن أكفر فقال‏:‏ ما حملك على ذلك يرحمك اللّه قالت‏:‏ رأيت خلخالها في ضوء القمر قال‏:‏ فلا تقربها حتى تفعل ما أمرك اللّه‏)‏‏.‏
رواه الخمسة إلا أحمد وصححه الترمذي وهو حجة في تحريم الوطء قبل التكفير بالإطعام وغيره‏.‏ ورواه أيضاً النسائي عن عكرمة مرسلاً وقال فيه‏:‏ ‏(‏فاعتزلها حتى تقضي ما عليك‏)‏ وهو حجة في ثبوت كفارة الظهار في الذمة‏.‏
حديث سلمة الأول حسنه الترمذي‏.‏ وحديثه الثاني أخرجه أيضاً الحاكم والبيهقي من طريق محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان وأبي سلمة بن عبد الرحمن أن سلمة بن صخر البياضي الحديث‏.‏
وحديث ابن عباس أخرجه أيضاً الحاكم وصححه قال الحافظ‏:‏ ورجاله ثقات لكن أعله أبو حاتم والنسائي بالإرسال‏.‏ وقال ابن حزم‏:‏ رواته ثقات ولا يضره إرسال من أرسله وأخرج البزار شاهداً له من طريق خصيف عن عطاء عن ابن عباس‏:‏ ‏(‏أن رجلاً قال‏:‏ يا رسول اللّه إني ظاهرت من امرأتي فرأيت ساقها في القمر فواقعتها قبل أن أكفر فقال‏:‏ كفر ولا تعد‏)‏ وقد بالغ أبو بكر ابن العربي فقال‏:‏ ليس في الظهار حديث صحيح‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال كفارة واحدة‏)‏ قال الترمذي‏:‏ والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم وهو قول سفيان الثوري ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وقال بعضهم إذا واقعها قبل أن يكفر فعليه كفارتان وهو قول عبد الرحمن بن مهدي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلا تقربها حتى تفعل ما أمرك اللّه‏)‏ فيه دليل على أنه يحرم على الزوج الوطء قبل التكفير وهو الإجماع وأن الكفارة واجبة عليه لا تسقط بالوطء قبل إخراجها‏.‏
وروى سعيد بن منصور عن الحسن وإبراهيم أنه يجب على من وطئ قبل التكفير ثلاث كفارات وذهب الزهري وسعيد بن جبير وأبو يوسف إلى سقوط الكفارة بالوطء وروى عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص أنه يجب عليه كفارتان وهو قول عبد الرحمن بن مهدي كما سلف وذهب الجمهور إلى أن الواجب كفارة واحدة مطلقاً وهو مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم كما تقدم‏.‏
واختلف في مقدمات الوطء هل تحرم مثل الوطء إذا أراد أن يفعل شيئاً منها قبل التكفير أم لا فذهب الثوري والشافعي في أحد قوليه إلى أن المحرم هو الوطء وحده لا المقدمات وذهب الجمهور إلى أنها تحرم كما يحرم الوطء واستدلوا بقوله تعالى ‏{‏من قبل أن يتماسا‏}‏ وهو يصدق على الوطء ومقدماته وأجاب من قال بأن حكم المقدمات مخالف لحكم الوطء بأن المسيس كناية عن الجماع وقد قدمنا الكلام على ذلك في أبواب الوضوء واعلم أنها تجب الكفارة بعد العود إجماعاً لقوله تعالى ‏{‏ثم يعودون لما قالوا‏}‏ واختلفوا هل العدة في وجوبها العود أو الظهار فذهب إلى الأول ابن عباس وقتادة والحسن وأبو حنيفة وأصحابه والعترة وذهب إلى الثاني مجاهد والثوري وقال الزهري وطاوس ومالك وأحمد بن حنبل وداود والشافعي بل العلة مجموعهما وقال الإمام يحيى إن العود شرط كالإحصان مع الزنا واختلفوا في العود ما هو فقال قتادة وسعيد بن جبير وأبو حنيفة وأصحابه والعترة إنه أراد المس لما حرم بالظهار لأنه إذا أراد فقد عاد عن عزم الترك إلى عزم الفعل سواء فعل أم لا وقال الشافعي بل هو إمساكها بعد الظهار وقتاً يسع الطلاق ولم يطلق إذ تشبيهها بالأم يقتضي إبانتها وإمساكها نقيضه وقال مالك وأحمد بل هو العزم على الوطء فقط وإن لم يطأ وقال الحسن البصري وطاوس والزهري بل هو الوطء نفسه وقال داود وشعبة بل إعادة لفظ الظهار‏.‏
5 -
وعن خولة بنت مالك بن ثعلبة قالت‏:‏ ‏(‏ظاهر مني أوس بن الصامت فجئت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أشكو إليه ورسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يجادلني فيه ويقول اتقي اللّه فإنه ابن عمك فما برح حتى نزل القرآن ‏{‏قد سمع اللّه قول التي تجادلك في زوجها‏}‏ إلى الغرض فقال‏:‏ يعتق رقبة قالت‏:‏ لا يجد قال‏:‏ فيصوم شهرين متتابعين قالت‏:‏ يا رسول اللّه إنه شيخ كبير ما به من صيام قال‏:‏ فليطعم ستين مسكيناً قالت‏:‏ ما عنده من شيء يتصدق به قال‏:‏ فأتي ساعتئذ بعرق من تمر قالت‏:‏ يا رسول فإني سأعينه بعرق آخر قال‏:‏ قد أحسنت اذهبي فأطعمي بهما عنه ستين مسكيناً وارجعي إلى ابن عمك والعرق ستون صاعًا‏)‏‏.‏
رواه أبو داود ولأحمد معناه لكنه لم يذكر قدر العرق وقال فيه‏:‏ ‏(‏فليطعم ستين مسكيناً وسقاً من تمر‏)‏ ولأبي داود في رواية أخرى‏:‏ ‏(‏والعرق مكتل يسع ثلاثين صاعاً‏)‏ وقال‏:‏ هذا أصح‏.‏ وله عن عطاء عن أوس‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أعطاه خمسة عشر صاعاً من شعير إطعام ستين مسكيناً‏)‏ وهذا مرسل قال أبو داود‏:‏ عطاء لم يدرك أوساً‏.‏
حديث خولة سكت عنه أبو داود والمنذري وفي إسناده محمد بن إسحاق وسيأتي تمام الكلام على الإسناد‏.‏
وأخرج ابن ماجه والحاكم نحوه من حديث عائشة قالت‏:‏ ‏(‏تبارك الذي وسع سمعه كل شيء إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ويخفى علي بعضه وهي تشتكي إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏)‏ فذكرت الحديث وأصله في البخاري من هذا الوجه إلا أنه لم يسمها‏.‏
وأخرج أيضاً أبو داود والحاكم عن عائشة من وجه آخر قالت‏:‏ كانت جميلة امرأة أوس بن الصامت وكان امرأ به لمم فإذا اشتد لممه ظاهر من امرأته‏.‏ وحديث أوس أعله أبو داود بالإرسال كما ذكر المصنف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏خولة بنت مالك‏)‏ وقع في تفسير أبي حاتم خولة بنت الصامت قال الحافظ‏:‏ وهو وهم والصواب زوج ابن الصامت ورجح غير واحد أنها خولة بنت الصامت بن ثعلبة وروى الطبراني في الكبير والبيهقي من حديث ابن عباس أن المرأة خولة بنت خويلد وفي إسناده أبو حمزة اليماني وهو ضعيف وقال يوسف بن عبد اللّه بن سلام أنها خويلة وروى أنها بنت دليح كذا في الكاشف‏.‏ وفي رواية عائشة المتقدمة أنها جميلة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والعرق ستون صاعاً‏)‏ هذه الرواية تفرد بها معمر بن عبد اللّه بن حنظلة قال الذهبي‏:‏ لا يعرف ووثقه ابن حبان وفيها أيضاً محمد بن إسحاق وقد عنعن والمشهور عرفاً أن العرق يسع خمسة عشر صاعاً كما روى ذلك الترمذي بإسناد صحيح من حديث سلمة نفسه والكلام على ما يتعلق بحديث خولة من الفقه قد تقدم‏.‏

=======================

=================================================================================

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تاب الطلاق للعدة محكما وكاملا

كتاب الطلاق المُحْكَم والكامل كتاب الطلاق المحكم والكامل منقحا هيتميل  نسخة منقحة ليس فيها درافت بلوجر الملوث للمدونة ومذيلة بموضوع ال...